للعلم فإن ما حدث فى أولمبياد ريو 2016 مشابه تماماً لما حدث قبل ذلك فى لندن وبكين وأثينا وبقية الدورات الأولمبية التى ندخلها بفكر رياضى وتخطيطى سليم، فانتهى بنا الأمر إلى الحصول على ميداليات لم تكن فى الحسبان، وعندما حصلنا عليها بجهد خالص من اللاعبين أنفسهم، دون أن يكون للجنة الأولمبية أو الاتحادات دور، رغم أنهم حاولوا وقتها الظهور على أنهم أصحاب البطولة ولولا أفكارهم ودعمهم لما حصلنا على الميداليات الأولمبية.
قبل ريو 2016 كنا نتوقع فشل البعثة المصرية، حتى حينما حصل أبطالنا الثلاثة إيهاب محمد وهداية ملاك وسارة سمير على البرونزيات لم يكن يتوقع أحد أن يصعدوا إلى منصة التتويج، بل كل التوقع كله يذهب إلى نجم سلاح الشيش علاء أبوالقاسم ولاعبين آخرين، والسبب فى ذلك معروف وهو أن المسؤولين عن الرياضة فى مصر يعتمدون على سياسة «البركة» فى كل شىء، والدليل على ذلك أن غالبية لاعبينا الذين شاركوا فى الأولمبياد هذا العام أشتكوا من غياب الاهتمام، والكثير إن لم يكن كلهم اعتمدوا على المجهود الذاتى، ولم تنفق عليهم الاتحادات الرياضية ولا اللجنة الأولمبية ما يحتاجونه من أموال للتدريب والاستعداد كما هو معتاد فى مثل هذه البطولات، بل إن اتحاداتنا انشغلت بخلافاتها الداخلية، كما أن اللجنة الأولمبية تفرغت للصراعات الداخلية وتناست تماماً أبطالنا الأولمبين، ولم تتذكرهم إلا قبل السفر إلى ريو دى جانيرو بأسابيع قليلة.
اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية فى مصر تناست أهم شىء، وهو كيفية العمل على صناعة البطل الأولمبى الذى يعد من المهام الرئيسة للاتحادات الرياضية واللجان الأولمبية فى مختلف دول العالم، فالجميع يعمل على خلق جيل أولمبى قادر على تحقيق نتائج تتناسب مع ما تم إنفاقه فى إعداد الأبطال الذين يتم اختيارهم بعناية شديدة جداً وليس بناء على الواسطة والمحسوبية، فالإعداد هدفه واضح وهو الدخول بقوة فى المنافسات الأولمبية لتحقيق الميداليات وليس بهدف التمثيل المشرف الذى يعتبره المسؤولون عن الرياضة فى مصر الهدف الأول لهم.
صناعة البطل الأولمبى ينبغى أن يكون الهدف الذى نسعى إلى تحقيق من الآن لتدارك الأخطاء الفادحة التى وقعنا فيها طيلة السنوات الماضية، التى أنهكت ميزانية الدولة المصرية دون أن يتم ترجمته إلى نجاحات أو نتائج تتناسب مع ما تم أنفاقه. صناعة البطل الأولمبى من وجهة نظرى هو مشروع قومى، يحتاج لمشاركة العديد من المؤسسات، بدأ من الأسرة والمدرسة ووصولاً الأندية وبقية المؤسسات الرياضية، فالكل يشترك فى تحقيق هذا الهدف الذى تعول عليه جميع دول العالم إلا مصر، وهذا المشروع عبارة عن علم يجب أن يطلع به القادر عليه، وهؤلاء موجودون فى مصر، لكن للأسف لم نعتمد عليهم حتى الآن، لأنهم ليسوا من شلة المتحكمين فى الرياضة المصرية حالياً.
مشروع البطل الأولمبى يتطلب إحياء الفكرة القديمة وهى «الكشافون»، المسؤولون عن اكتشاف المواهب الشابة فى القرى والنجوع، فى الصعيد والدلتا وسيناء ومدن القناة، وأن نوفر لهؤلاء برامج تأهيل مناسبة تضعهم على أول السلم الأولمبى، بجانب إعطاء دفعة قوية للرياضة فى المدارس خاصة فى الألعاب الفردية التى إذا أحسنا الاهتمام بها لتوفر لدينا أبطال قادرين على تحقيق الميداليات الأولمبية بسهولة شديدة، بدلاً من انتظار أن تمنحنا السماء ميدالية هنا وهناك تجمل وجهنا أمام العالم كله. فى النهاية نحن بحاجة لتفكير علمى مدروس لنضع الرياضة المصرية على الخريطة الأولمبية، لأنه بدون ذلك ستتكرر فضيحة ريو دى جانيرو، خاصة فى ظل رفض المسؤولين عن الرياضة فى مصر الاعتراف بأخطائهم وترك المسؤولية لغيرهم.