هل النقود محايدة؟

خلص أغلب كتاب الاقتصاد المعاصرين إلى تعريف الضريبة المحايدة على اعتبار اقتصار غرض تطبيقها للحصول على موارد لتمويل الخزانة العامة للدولة والميزانية دون أن تغير من الأوضاع النسبية لدافعى الضرائب (أى الممولين) من دخول وأرباح وثروات، بحيث يظل الوضع على ما هو عليه. أى بعبارة أخرى فالضرائب أداة مالية فحسب، "والضريبة المالية" ما هى إلا أسلوب للجباية النقدية، لا تؤثر فى الأوضاع الاقتصادية ولا الاجتماعية بطريقة مباشرة لمجرد اقتصارها على دور التحصيل النقدى لزيادة موارد الخزانة العامة للدولة. غير أن هذا المعيار غير كافى للتفرقة بين ما يعرف "بالضريبة المحايدة " والضريبة غير المحايدة "، فلا يكفى بأى حال من الأحوال أن تكون الضريبة ذات غرض مالى محدد لتأخذ صفة الحياد. وذلك لأن أى ضريبة كما يعرف العامة هى عبارة عن مبلغ نقدى يقتطع من الدخول أو الأرباح أو الثروات لتحول لمجموعة أخرى فى أشكال مختلفة، وعليه فإنها تأخذ فى هذا الصدد، حكم النقود، أى بعبارة أخرى تعامل معاملة النقود فى الاقتصاد. الأمر الذى يتطلب لكى تكون الضرائب محايدة، أن يكون دور النقود فى الاقتصاد محايد (أى النقود المحايدة). وهذا غير منطقى ولم نسمع عنه من قبل فى أى دولة فى العالم على مر الزمان. وبالتالى لا يمكن أن نكتفى فى هذا الصدد أيضاً بأن يكون غرضه السياسة الضريبية فى أى دولة، حتى مصر، مالياً محضاً كما يتصور البعض من اتباع المذهب الاقتصادى الحر والذى ينتشر كثيراً فى المجتمع المصرى هذه الأيام، على أنه الحل لكل مشكلات مصر الاقتصادية. وللتوضيح، فالضرائب عبارة عن استقطاع جزء من دخول الأفراد، والمؤسسات العاملة فى الاقتصاد وتحويلها إلى الدولة، وهو ما يؤثر بالطبع فى الدخول الصافية والأثمان فى المجتمع، ويؤثر بالتالى فى الكفاية الحدية لرأس المال (أى تكوين رؤوس الأموال) وينعكس على حجم الطلب على الاستثمار فى البلاد. ثم ينتقل الأثر إلى حجم الطلب على الاستهلاك بمقدار التغير الذى حدث فى الدخول الصافية عشية فرض الضرائب. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بها يمتد ليؤثر فى حجم الادخار العام فى الحدود التى يتوقف فيها على الدخل المستقبلى المتوقع من الادخار بعد تطبيق أى ضريبة. ويزداد الأمر تعقيداً كلما ارتفع حجم الضرائب (مباشرة أو غير مباشرة). لذا لا يجوز أن نتحدث فى المطلق على مذهب الحياد المالى فى الاقتصاد الحر ونحن نعرف جميعاً أن السياسة المالية بما فيها الضرائب بكل أنواعها تؤثر فى الحياة الاقتصادية كل يوم، حتى ولو لم يقصد القائمين على وضع الضرائب , هذا وذلك كما سلف شرحه عن طريقة كبر كمياتها. وعليه فالحياد المالى للضرائب لا يتصور حدوثه إذاً إلا إذا كانت الكميات المالية محدودة أو معدومة (أى لا وجود للسياسة المالية من الأساس)، أو لو تمكن "الفن المالى" (أى السياسة المالية) من منع هذه الكميات من تغيير التوزيع النسبى للدخول والأرباح والثروات بين أفراد المجتمع ومن التأثير أيضاً فى حجم الاستهلاك والادخار والطلب على الاستثمار. وهذا ما لم يتيسر عملاً فى أى مرحلة تطبيقية من مراحل تطور السياسة المالية فى أى بلد فى العالم، حيث أنه فرض نظرى لا يحدث إلا فى الخيال العلمى فقط. وخلاصة الحديث أن هؤلاء الذين ينادون "بالحياد المالى" يمكن أن نفسر اعتمادهم فى تحديد معنى الحياد على الغرض وحده وإسقاطهم من معيارهم ما تتضمن فلسفة الضرائب كسياسة مالية من اقتطاع نقدى، بأنهم قد أخذوا النقود على أنها محايدة هى الأخرى (وهذا غير منطقى) ومن هنا صلح فى منطقهم (وحدهم) الاعتماد فى تحديد ما يعتبر من الضرائب محايداً ولا يعتبر كذلك على معيار فرض الضرائب وحده. هؤلاء أقول لهم، صحوا نومكم، فالسياسة المالية سواءً كانت إنفاق عام أو ضرائب، خلفت لتتدخل فى الاقتصاد وتعيد توزيع الدخول والثروات وتحقق العدالة الاجتماعية فى كل دول العالم، وعلى الادارة المصرية أن تمضى إلى الأمام فى تحقيق تلك الأغراض ولا تنصت لهؤلاء فقد غلبهم النعاس والتثاؤب.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;