فى الأمر الكثير من فساد المنطق، تتبعه يبدو واجبا قبل أن تسحبنا أرض التيه، والتيه فى مرحلة يؤسس فيها لدولة جديدة تسعى للخروج من نفق صدمة الثورتين، وارتباك تعاقب الأنظمة، لن يكون فى صالح أحد لا الدولة ولا شعبها ولا حتى المشتبه فى وطنيتهم.
أتفهم جيدا وعليك أيضا فعل ذلك، أن وجود الصوت الآخر، المختلف معك، المضاد لأفكارك ضرورة بدونها لا يكتمل تأسيس دولة قوية، لذا فالنقد حق، والاختلاف حق، والاعتراض حق، وطرح وجهات نظر مختلفة حق.. ولكن هذا الحق كيف تستخدمه وتمارسه، تلك هى المشكلة!
قطاع عريض من النشطاء سواء نشطاء السياسة أو نشطاء الفيس بوك ومعهم بعض السياسيين أعلنوا غضبهم أكثر من مرة ورفضهم المتكرر لما يفعله إعلاميون وسياسيون وكتاب يقدمون أنفسهم للسلطة بتوجيه اتهامات التخوين والعمالة دون دليل أو توثيق، كثير من النشطاء أعلنوا كرههم للوطن والحياة حينما نشر بعض خصومهم صورا شخصية، وحينما خاض بعض المذيعين فى حياة الناشط الفلانى الشخصية أو الناشطة الفلانية العلانية، وكان موقف النشطاء واضحا من رفضهم محاولات السخرية من رموزهم، ومن ثورة 25 يناير.. وكل هذا حق، أو بمعنى أصح كلام جميل منقدرش نقول حاجة عنه كما علمتنا السيدة ليلى مراد فى أغنيتها الشهيرة.
ثم تأتى هنا لكن لتفضح المشكلة وطبيعتها، نفس النشطاء الذين يرفضون توجيه الاتهامات بالخيانة والعمالة وتوزيع صكوك الوطنية، ويكرهون السخرية من البرادعى أو حمزاوى أو باسم يوسف، ويشمئزون من انتهاك الحياة الشخصية لبعضهم، ارتكبوا خطيئة النهى عن الفعل والإتيان بمثله، نفس النشطاء الذين كرهوا التخوين وتوزيع صكوك الوطنية والسخرية من أبناء تيارهم السياسى هم أنفسهم الذين ينصبون منصات توزيع اتهامات الفساد والتخوين على بعض المسؤولين وعلى بعض رموز التيار السياسى المضاد لهم فى التوجه، نفس النشطاء الذين رفضوا السخرية من ثورة 25 يناير ورموزها هم الذين يسخرون من 30 يونيو ورموزها ومن ثورة 23 يوليو ورموزها، نفس النشطاء الذين يرفضون توزيع عزمى مجاهد وسعيد حساسين لصكوك الوطنية هم أنفسهم يفترشون أرض الميادين وصفحات الفيس بوك لتوزيع صكوك الشرف والثورية، ونفس النشطاء الذين يرفضون غضب رجل الشارع العادى من تبجح باسم يوسف وجريمته بوصف الجيش المصرى بالميليشيات المسلحة هم أنفسهم النشطاء الذين يغضبون حينما يتهمهم إعلامى ما أو نائب ما بأنهم عصابة تمويل أجنبى.
تلك هى آفة من يتصدرون المشهد الآن تحت شعار تقويم السلطة، فكيف يقتنع الناس بأن تيارا معوجا وغير منظم قادر على تقويم تيار آخر إذا كان هو نفسه يعانى من ميل أخلاقى ومنهجى وفكرى يصل فى بعض الأحيان إلى مرض، مرض يعمى بعضهم عن رؤية الفرق الطفيف بين الخصومة مع سلطة سياسية والخصومة مع الوطن ذاته، مرض يدفع قلوبهم لأن تشتبك بقلة أدب مع جيشهم عندا فى إدارة سياسية بغض النظر عن النتائج، كيف لرجل الشارع العادى أن يأتمن مراهقا على مستقبل وطنه السياسى، كيف يمكن لرجل الشارع العادى أن يثق فى تيار سياسى يجتهد لاستخراج نكتة أو إفيه لإهانة خصمه أكثر من اجتهاده فى دراسة حالة أو تقديم بحث أو رؤية يحرج به خصمه السياسى ويكشف عدم قدرته على الوفاء بمستلزمات الوطن والشعب.
يهوى الكثيرون حصر وتعداد أخطاء السلطة والقريبين منها وشرحها وعرضها فى بيانات وعناوين براقة طمعا فى لايكات الفيس بوك أو رسائل تخبرهم بأنهم الجدعان والمناضلون، ويخشى الكثيرون من حصر وتعداد أخطاء النشطاء والمعارضة وشرحها للناس خوفا من أن يتم اتهامه بنفاق السلطة، بينما واحدة من أبرز حقائق سنوات ما بعد 25 يناير أن نفاق الرأى العام، ونفاق فئة النشطاء، وموالسة التيارات التى منحت نفسها ألقابا ثورية لبعضها كان أخطر بكثير عن المسار الديمقراطى والمؤسسى فى مصر من نفاق السلطة.. أفلا تعقلون؟!