لا توجد إحصائية رسمية عن حجم الأموال التى تنفقها الأسر المصرية كل عام على الدروس الخصوصية، لكن المؤكد أنها تحصد أكثر من نصف ميزانية الأسر، بل إن هناك أسرًا تخصص قرابة الـ%60 وربما أزيد قليلاً من دخلها للدروس الخصوصية، التى لم تعد مقصورة على مرحلة معينة، إنما وصلت إلى الحضانة والتعليم الابتدائى، فنادرًا ما تجد طالبًا أو تلميذًا لا يعتمد على الدروس الخصوصية.
بشكل عام، المشكلة ليست مقصورة فقط على المدارس الحكومية، فطلاب وتلاميذ المدارس الخاصة هم أيضًا ضحايا الدروس الخصوصية، رغم ما تحصل عليه هذه المدارس من أموال طائلة تتخطى فى حالات كثيرة حاجز العشرين ألف جنيه سنويًا للطالب الواحد، وهو ما يعنى أن هذه المدارس بها هيئة تدريس على مستوى عالٍ، لديها القدرة على توصيل المعلومة والمواد الدراسية للتلاميذ والطلاب، دون الحاجة للذهاب إلى مدرس خصوصى، لكن فى النهاية أصبحت الدروس الخصوصية منهج حياة، انتشر بقوة أيضًا داخل الجامعات التى من المفترض أنها بعيدة كل البعد عن فكرة المدرس الخصوصى، لكن لأنها مهنة تمنح صاحبها ثروة كبيرة فى غضون سنوات قليلة، فإنها فتحت شهية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات للعمل بها.
أسباب كثيرة قيلت فى شرح الظاهرة، لكن يبدو أنها لم تلمس الوتر الحقيقى للأزمة، وهو ضعف النظام التعليمى فى مصر، ومعه أيضًا ضعف دخل المدرسين المسؤولين عن إعداد جيل متعلم يتحمل مسؤولية البلد مستقبلًا، خاصة أن قطاعًا كبيرًا من المدرسين لا يتخطى دخلهم الشهرى الألف جنيه، وتحديدًا فى المدارس الخاصة التى تتعاقد مع خريجى الجامعات برواتب تتراوح بين 800 و900 جنيه شهريًا، مقابل إتاحة الفرصة لهم لزيادة دخلهم الشهرى من الدروس الخصوصية، فغالبية المدارس الخاصة فى مصر لا يهمها مستوى الطلاب، بقدر اهتمامها بزيادة موارد ودخل ملاك هذه المدارس.
المحصلة النهائية أننا أمام أزمة كبيرة، ربما كانت أحد عوامل الأزمة الاقتصادية للأسر المصرية، وهو ما يحتاج من الدولة إلى أن تتعامل معها على أنها قضية أمن قومى، لعدة أسباب، على رأسها أن الدروس الخصوصية عامل أساسى فى انحدار المستوى التعليمى للطلاب فى مصر، خاصة أن المدرسين يعتمدون على أسلوب التحفيظ والتلقين للطلاب وليس الفهم، وهو ما أدى إلى تدهور حاد فى العملية التعليمية لدينا، وظهور أجيال دخلت الجامعة، وهى ضعيفة جدًا فى القراءة والكتابة.
الحل من وجهة نظرى يحتاج لنظرة طويلة المدى، تعتمد فى الأساس على توفير كل الإمكانيات للمدرس، لكى يؤدى مهمته بالشكل المطلوب، ويكون ذلك من خلال راتب يكفيه الحياة وشرورها، وعقد دورات تدريبية سنوية للمدرسين فى المجالات العلمية المختلفة، ليكون المدرس متوافقًا مع الجديد فى المناهج، ومتواكبًا مع التغيرات التى تطرأ عليها.
ويكمن الحل أيضًا فى تطوير المناهج التعليمية، بحيث تعتمد على الفهم وليس التلقين، وأن تتوافق مع العلوم الحديثة، وأن تتم تنقيتها من الشوائب والحشو، وبمعنى أدق أن تكون متواكبة مع العصر الحديث ومتطلباته، وأعتقد أن رئاسة الجمهورية قطعت شوطًا مهمًا فى هذا الاتجاه، لكن يبقى المهم بالنسبة لى هو تهيئة المدرسين للعملية التعليمية، لأنه لا يعقل أن نتحدث عن تطوير وغيره ولدينا مدرسون لا يحصلون على ما يكفيه حياة كريمة، وهو ما يدعوهم لإعطاء دروس خصوصية.