كان لقائى الأول مع الروائى الكبير «خيرى شلبى»، الذى حلت ذكراه فى سبتمبر، له طعم مختلف. كانت الحجة إجراء حديث، لكن الهدف كان التعرف على الرجل الذى حول حكايات الناس العادية إلى أساطير. كنا فى بداية التسعينيات اتصلت به وخلال دقائق عرف أننى قرأت أعماله. اتفقنا على اللقاء فى مقر مجلة الإذاعة والتليفزيون القديم بشارع جامعة الدول العربية.
وسط زحام وضجيج، حددنا ساعة وأمضينا ساعتين، وصرنا أصدقاء. تطرق الحديث إلى أعماله، وبدا منشرحاً لاكتشافه بالإضافة للقراءة، أننا جيران فى المنشأ بوسط الدلتا هو من قرية شباس بكفر الشيخ، وأنا من بسيون بالغربية، بيننا كيلومترات ومشتركات.
كنت مأخوذاً بقدرته على التقاط تفاصيل حياة الناس فى وسط الدلتا، وعالمهم المسكون بالأساطير. كان خيرى شلبى حكاءً مليئاً بالذكريات والحنين، عالم كامل من الأدب الصافى النقى وبقدرة هائلة على التكثيف أحياناً والاستطراد أحياناً أخرى.
امتد بيننا الحديث وتفرع بين نشأته وتفاصيل حياته، وأيضاً تجربته الحياتية العريضة والعميقة، وامتلائه بحياة ناس كثيرين، كان حريصاً على أن يكتبهم ويخلدهم ويراهم أبطالاً، لا أحد يهتم بحياتهم أو موتهم غير مشهورين مع أنهم الحياة نفسها. «خيرى شلبى» نجح فى أن يقدم تفاصيل الواقع السحرية، الوتد والشطار ووكالة عطية وبالطبع مجموعاته القصصية «صاحب السعادة اللص» وفرعان من «الصبار» ورواياته القصية و«الوتد» «السنيورة»، وكان يرى أن «السنيورة»، ظلمت لأن «الحرام» ليوسف إدريس سبقتها. ونجح خيرى فى نقل عالم التراحيل بالصوت والصورة، كواحد منه، والتقط تفاصيله وبقدرة مذهلة على الحكى.
نجح «خيرى شلبى» بالفعل فى تقديم أعمال كبرى عن الريف، أو بين الريف والمدينة، ربما أكثرها إبهاراً كانت وكالة عطية بشخوصها التى تكاد لاتصدق. وشخصية شوادفى الأسطورية كحاكم للوكالة وعالمها وأشخاصها.
بعد لقائنا الأول صارت صداقة وحوارات ممتدة على مدى سنين تعرفت خلالها على عالمه، وظل واحداً من أكثر الأدباء نحتاً وحفراً فى عالم المصريين، خاصة هؤلاء المهمشين الذين يستمدون بطولاتهم من مجرد بقائهم أحياءً يقاومون الفناء ويصنعون عالماً موازياً، قد لايراه كثيرون لكنه موجود وبقوة وقسوة متصلاً بعالم الحياة اليومية. ومن هنا كان تميز «خيرى شلبى» كروائى عاش عالماً كتبه بشكل أحال بعضه لأساطير. وظلت بيننا خيوط الحكايات، ومنها الوتد التى خلد فيها نساءً كثيرات حكمن بيوتاً ورجالاً ونساءً فى أنحاء مصر. ولهذا كله حكايات.