فى التاريخ السياسى مقولة مفادها أن «الذى يلعب دور المسيح لابد أن يخسر»
سقطة تليفزيون الدولة بإذاعة حوار قديم للرئيس باعتباره حوارًا حديثًا، إنما يمثل أم الكوارث، وتقوم له الدنيا ولا تقعد، وتُقطع فيها رؤوس وأيدى وأرجل المخطئين المفسدين دون هوادة أو رحمة، إذا وضعنا فى الاعتبار أن قاطنى ماسبيرو يحصلون على رواتبهم من جيوب المصريين، وأن المليارات المهدرة أولى بها الشعب الغلبان، خاصة أن العائد ليس خسائر فقط، إنما كوارث، تشوه من صورة وطن، وتشيع اليأس والإحباط فى نفوس المواطنين، وتزيد من رقعة الرعب من أن تتسلل يد عابثة تذيع بيانًا يقلب الأوضاع فى مصر رأسًا على عقب، تأسيسًا على أن التليفزيون هو رمز إرادة الأمة.
خطيئة إذاعة حوار قديم للرئيس ما هى إلا إنذار قوى من صوت جرس صاخب، يدق فى كل مؤسسة وإدارة وهيئة فى كل الوزارات، تصرخ بصوت عال وتقول هناك من يعبث بملفات خطيرة، تشعل نار الأزمات، وتثير القلاقل، ومع ذلك فإن الدولة، وتحديدًا السلطة التنفيذية المتمثلة فى الحكومة، ومن قبلها السلطة التشريعية المتمثلة فى البرلمان، تجعلان ودنا من طين والأخرى من عجين، وكأن الأمر لا يعنيهما، خوفًا ورعبًا وارتعاشًا من أصوات اعتراضات رواد مواقع التواصل الاجتماعى، الذين يعترضون على كل شىء بالباطل قبل الحق، ولا يتجاوز عددهم بضع مئات، معظمهم لجان إلكترونية.
نعم الدولة، ضعيفة، واهنة، مرتعشة، تخشى الأصوات العالية، وتعطى ظهرها لمؤيديها، خشية اتهامها بأن لها مؤيدين وداعمين، فى نهج وسلوك سياسى لا مثيل له فى كل العلوم السياسية، النظرية منها والعملية، والدليل أنها ترى الفساد والمفسدين وتغض الطرف عنهم، وأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية يعبثون بالملفات الخطيرة، ولا تتدخل خشية أصوات النشطاء والحقوقيين الذين لا ثقل شعبيًا لهم على الإطلاق.
والحقيقة المرة التى رصدها التاريخ فى مختلف العصور، أن الدولة القوية الظالمة أفضل كثيرًا من الدولة العادلة الضعيفة والواهنة، ولكم فى دولة أردوغان أسوة ومثال حى، حيث قرر- وحسب ما بثته وكالة الأناضول- استبعاد 44 ألف عامل وموظف ومسؤول كبير من مختلف الوزارات من وظائفهم ومناصبهم، وأغلق عشرات الصحف والقنوات الفضائية، وحجب مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر» أكثر من مرة، ولم تستطع نخب ولا نشطاء ولا حقوقيون أن ينبسوا ولو بشطر كلمة اعتراض.
وهناك مقولة عظيمة فى التاريخ السياسى، مفادها أن الذى يلعب دور السيد «المسيح» بسماحته المفرطة لابد أن يخسر، لأن القوة هى العامل الجوهرى فى ترتيب العلاقات الدولية، والحفاظ على أمن الدول داخليًا، لذلك فإن الدول القوية هى التى تفرض هيمنتها، وقراراتها على الدول الضعيفة.
والغريب فى الأمر أن الدول القوية تظهر بوجه ديمقراطى مؤمن بالحوار، وتمنح مساحات للجدل الوهمى، المغلف بمنطق القوة، لذلك فإن الديمقراطية موجودة شكلًا، لكن المضمون هو القوة المفرطة، ورأينا ماذا اتخذت فرنسا وأمريكا وبلجيكا من إجراءات عنيفة وخشنة عقب الحوادث الإرهابية التى وقعت على أراضيها، فى حين تندد هذه الدول بأقل من مثل هذه القرارات لو اتخذتها دول ضعيفة لمواجهة الإرهاب على أراضيها، واعتبار الجماعات المتطرفة جماعات معارضة وسلمية.
الدول القوية تطبق ديمقراطية قوامها «الحسنى لمن يستمع فى النهاية، والعصا لمن يريد أن يتمرد»، كما أن الدول القوية هى التى صاغت قواعد اللعبة، أو ما يسمى بالشرعية الدولية، وعلى رأسها سن قوانين ميثاق الأمم المتحدة التى تسير وفق مصالحها، ولا تتقاطع معها.
لذلك يجب على الدولة المصرية أن تعمل وفقًا لما يقتضيه أمنها القومى، وأوضاعها الاقتصادية والسياسية، دون الوضع فى الأذهان أن هذه القرارات ستلقى اعتراض أمريكا وبريطانيا، لأن مثل هذه الدول بجانب حلفائهما تركيا وقطر، وجواسيسهم فى الداخل من الجماعات الإرهابية والحركات الفوضوية، لن ترضى عن النظام الحالى، حتى ولو كانت مصر فى عهده ستقارع الصين واليابان وألمانيا من حيث التقدم والازدهار..وللحديث بقية.