الدول كالبشر، تتعافى إذا قويت مناعتها، فتحميها من الأمراض العضوية والنفسية، وأخطرها الإصابة باليأس والإحباط، والمحبطون لا ينظرون إلى الأشياء إلا بنظارة سوداء، فلا يرون فى الحياة إلى القتامة، فيعتل الجسد وتنعدم الثقة فى المستقبل، ويتلاشى الأمل والطوح والثقة، وهذا هو أخطر سلاح يتم تجريبه الآن فى مصر.
يتولى المهمة «لوبى صناعة اليأس»، ولهم فى تاريخنا السياسى باع طويل، نموذجه الفادح قبل حرب أكتوبر، عندما عمموا شعار «اللاسلم واللاحرب»، وبعد الانتصار شغلّوا أسطوانة «خيانة القضية»، وبعد استرداد الأرض ظلوا يشيعون روح الهزيمة، ويهاجمون ما سموه «سلام الاستسلام»، ولكن المصريين اكتشفوا خداعهم مع رفع الإعلام المصرية عالية فوق سيناء، وتغلب الوعى الوطنى على روح التشكيك والإثارة.
فى وضعنا الراهن يتكرر نفس السيناريو بحوار مختلف، مضمونه استغلال الأزمات لخلق شعور عام بالغضب، ظنا من صناع اليأس أنهم يهيئون المسرح لحالة أقرب مما كان سائدا قبل 25 يناير، واختراق رصيد التأييد الشعبى للدولة المصرية التى تعى جيدا حجم المشاكل والتحديات، وتسابق الزمن لعبورها، يدعمها ظهير شعبى مازال مسلحا بالوعى.
وإذا اقتربنا أكثر من مشكلة الغلاء التى تستحوذ الجانب الأكبر فى صناعة الغضب، فالوعد الرئاسى بالتعامل معها، لا يعتمد على الإجراءات الشمولية وفرض القيود، ولكن بتفكيك مسببات الأزمة، وأهمها أن يقفز الناتج المحلى إلى معدلات تقلل الفجوة بين العرض والطلب، وتكبح جماح الغلاء والجشع والاستغلال، بإحياء دور رشيد للدولة فى خلق منافذ جديدة للسلع والخدمات، أبرزها 150 ألف صوبة، تنتج الواحدة فقط خيرات تعادل ما بين خمسة وعشرة أفدنة، ولن تدخل الخدمة بعد عام أو عامين، ولكن باكورتها بعد شهرين فقط، بجانب نصف مليون فدان الشهر المقبل، ومزارع سمكية ومشروعات للثروة الحيوانية والداجنة، وقبل نهاية العام سوف تقدم الدولة كشف حساب يلمس الناس نتائجه فى الأسواق، وليس فى الخطب والتصريحات.
أثق تماما فى هذا الكلام لأسباب أهمها، أن رئيس الدولة لا يقطع التزاما إلا وينفذه، وله سابقة التزامات أوفى بها فى موعدها المحدد، وأثق تماما فى وقوف الجيش بجانب الدولة والشعب والرئيس، وحرص غالبية المصريين فى الحفاظ على بلدهم، وعدم تعاطيهم لسموم لوبى صناعة اليأس والإحباط، ومصر قادمة رغم أنف الكارهين.