من ساحة للتواصل الاجتماعى وسط الحياة المزدحمة المليئة بالتفاصيل التى يغلب عليها الصخب والفوضى، إلى مظلة لممارسة التعصب والإسفاف بكل صوره، فقد تحول "فيس بوك" إلى بالوعة صرف كبيرة يرمى فيها الجميع قاذوراتهم، بعدما خرجت عن هدفها الرئيسى فى التواصل الاجتماعى، وتحولت إلى وسيلة للتفتيت والتقسيم من جانب والمزايدة والمغالاة من جانب آخر .
والمتابع للمشهد العام خلال الفترة الأخيرة سوف يلحظ سيطرة لغة السخرية الرخيصة على محتوى التواصل الاجتماعى، لاسيما "الماسورة العمومية له" فيس بوك، حيث صار الجميع بجدارة سياسيين ورجال اقتصاد وأصحاب أعمال، بل وأدباء ومفكرين، وأصحاب خبرات مهنية كبيرة فى الطب والهندسة والفلك وكل العلوم، يصوبون ويخطئون دون مراعاة لظروف أو ملابسات أو حتى حقائق وأرقام يسهل الحصول عليها عبر الإنترنت ومحركات البحث.
ما أقوله لا يتعارض مع الحق فى التعبير وحرية الرأى ورغبة الناس فى المعرفة وكتابة ما يشاؤون أو ما يحلمون وحتى ما يتخيلون، ولكن من باب وضع الأمور فى نصابها الصحيح، والسعى دائما إلى ما يفيدنا وينفعنا، كما تفعل كل المجتمعات المتقدمة، التى لا يستهلك شبابها الساعات أمام وسائل التواصل الاجتماعى، ولا يسخرونها للمشاركات "الشير" العشوائية والتحريض ضد الحكومة وأجهزة الدولة والانتقاد المستمر لخطابات المسئولين بداية من الرئيس مرورا بالوزراء والمسئولين فى كل القطاعات.
لست من أنصار نظرية المؤامرة الكونية التى يروج لها بعض المزايدين، خاصة أننا من نصنع لأنفسنا المؤامرات، بل ونستغرق فيها ونصدقها، ونعطى للجميع فرصة بأن يصفعنا مرات ومرات دون أن نتعلم أو نتعظ، وما أتمناه أن نتعقل ونعرف إلى أين نسير، ولمصلحة من محاولات الشحن المستمرة لشباب هذا الوطن، الذى لا يرى أمامه سوى النكات والسخرية على كل من هم فى مواقع المسئولية، بل إنه على الجانب الآخر يتعرض أيضا لرسالة شديدة التطرف، تسوق للإنجازات فقط دون أن ترى الواقع وتسقط فى فخ الجدل والتناطح مع المعارضين .
من حق كل أحد أن يقبل قرارا أو يرفضه، ينتقد سياسة أو يتوافق معها، بل ومن حق كل شخص أن يتمسك بوجهة نظره لبعض أو كل الوقت، ولكن ليس من حقه تشويه الآخر، على طريقة النكات والعبارات الساخرة، التى امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعى بعد كل خطاب أو لقاء للرئيس السيسي .
وعلى الرغم من أننى أفهم دوافع جماعة الإخوان الإرهابية فى نشر اليأس داخل المجتمع وتعبئة الناس ضد النظام القائم، وقلب الحقائق وتشويه كل الصور والنماذج المضيئة، إلا أننى أدعو الجميع أن يكونوا على وعى بما يتم تسويقه لنا، خاصة أن "الشير واللايك والكومنت" يتم فى الوقت الراهن بمنطق عقلية القطيع، فأنت تصفق فقط لأنك ترى الجميع يصفق، وهذا أخطر ما قد نصل إليه فى الوقت الراهن.
لا أكتب هذه السطور دفاعا عن أحد، ولا أستهدف منها إرضاء أحد، ولكن من أجل أبنائى، الذين أطمح إلى رؤيتهم يكبرون ويتعلمون على أرض هذا الوطن لا غير، فأنا لا أعرف لى وطنا آخر ولا أحمل جنسية أخرى، فأنا مصرى وكفى بها نعمة، أحب بلدى وأخشى عليها من محاولات الفوضى، خاصة أننى عاصرت سنوات الفوضى عن قرب وعرفت كيف تدفع الأوطان الثمن غاليا .