إذا كان من الضرورى، ونحن بصدد تحليل إعادة توزيع الدخل القومى، أن نقسم المجتمع إلى فئات تبعًا لمستوى الدخل لتحديد الشرائح المختلفة، ونعتمد فى ذلك مثلنا فى مصر كمثل دول كثيرة على الدخول الخاضعة للضرائب العامة على الإيرادات.
أرى أنه وإن كانت هذه الوسيلة هى أحد أهم الوثائق المالية، التى تعتمد عليها الحكومة المصرية فى التعرف على الدخول الفردية من خلال الوثائق، التى تسجل الدخول الخاضعة للضريبة العامة على الإيرادات، وتلك التى تسجل الدخول الخاضعة للضرائب النوعية أيضًا.
ولكن يؤخذ على هذا الأسلوب أنه لا يعكس إلا جزءًا من الدخول الحقيقية، وذلك لعدة أسباب أهمها، أن الضرائب لا تفرض إلا على الدخول المرتفعة نسبيًا فى مصر، وذلك نظرًا لارتفاع حد الإعفاء الضريبى. ومعنى ذلك أنه لا تفرض على الدخول المنخفضة، وهى كثرة العدد وكبيرة الأهمية بل أن عددها وأهميتها يزدادان فى مصر. وعلى الجانب الآخر كثيرة الخصومات من وعاء هذه الضريبة. ومثل ذلك فوائد الديون، وأقساط التأمين والضرائب النوعية والإعفاءات المقابلة للحد الأدنى اللازمة للمعيشة والأعباء العائلية. وأخيرًا وكما يعرف الكل انتشار ظاهرة التهرب الضريبى فى مصر بصورة فجة، إلى جانب اتساع النشاط الاقتصادى غير الرسمى.
وعلى ذلك فإن الدخول الخاضعة للضرائب العامة ليست صادقة الدلالة على الدخول الفردية الحقيقية، وعلى العكس من ذلك فإن الاعتماد، فى معرفة هذه الدخول الفردية على الدخول الخاصة للضرائب النوعية أقل بعدًا عن الواقع، وذلك لعدة أسباب أهمها: انخفاض حد الإعفاء المفروض على الدخول النوعية إذا ما قورن بحد الإعفاء من الضريبة العامة. ثم أن الخصومات من وعاء الضريبة النوعية أقل من الخصومات من وعاء الضريبة العامة، فالضريبة العامة على الإيراد هى أكثر الضرائب ملاءمة لفكرة "شخصية الضريبة"، لأنها هى التى تسمح، أكثر من الضرائب النوعية، بمراعاة الظروف الشخصية لدافع الضرائب. وعلى العكس من الضرائب النوعية قد تكون ضرائب عينية، ولا ترعى أى ظروف شخصية فى التطبيق ( مثل الضرائب على إيراد القيم المنقولة ). هذا بالإضافة إلى أن ظاهرة التهرب من الضرائب النوعية، فى مصر كأى دولة أخرى، أقل انتشارًا وأضيق نطاقًا من ظاهرة التهرب من الضرائب على الإيرادات.
ومع كل ذلك يجب أن نلاحظ وجود نوع من الإعفاءات من الضرائب النوعية، كما يجب أن نلاحظ أن بعض فروع الدخول فى مصر لا تخضع للضرائب النوعية أيضًا، هذا بالإضافة إلى أن الدخل النوعى فى كثير من الأحيان ليس دخلاً واحدًا (كمثل أصحاب العقارات والقيم المنقولة) مما يجعل التعريف على الدخول الفردية النوعية أكثر صعوبة.
ولذلك فإن الاعتماد على الدخول المفروض عليها الضرائب النوعية، هو فرض يجعل لكل دافع ضريبة نوعية دخل واحد، وهذا يبعد عن الواقع فى حالات كثيرة، حيث يكون لكل ممول أكثر من دخل. ومعنى ذلك أن الاعتماد على هذا الفرض يعنى تجزئة بعض الدخول الفردية، وهو ما يؤدى بالتالى إلى وضع بعض الأفراد فى فئات اجتماعية تقل أو تزيد عن الفئات التى ينتمون إليها بحسب دخولهم الموثقة فى السجلات والتى تغاير الواقع.
ونخلص مما تقدم إلى أن الاعتماد على سجلات الضرائب فى التعرف على الدخول الفردية الحقيقية، يعيبه أن الدخول الخاضعة لهذه الضرائب. (وسواء فى ذلك الضريبة العامة على الإيراد أو الضرائب النوعية)، لا تغطى كل الدخول الفردية المنخفضة فى المجتمع، وذلك ببساطة بسبب إعفاء بعض الدخول من الضرائب وبسبب كثرة الخصومات من وعاء هذه الضرائب، وبسبب انتشار التهرب الضريبى، وأخيرًا كبر حجم السوق غير الرسمى الذى لا يخضع لأى ضرائب. ويستلزم هذا الوضع من الدولة أن تدخل فى حساباتها، عند الاعتماد على الدخول المفروضة عليها الضرائب، ما يتقرر من إعفاءات ضريبية أخرى لهذه الدخول حتى تصل إلى الدخول الحقيقية (وليست التى فى السجلات الموثقة) التى تقع تحت تصرف المستهلكين، لتتحقق شخصية الضريبة العادلة على كل أفراد المجتمع.
· أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة.