يمكن القول بأن تجديد الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، لمطلبه بـ«ضرورة إعادة النظر فى اتفاقية «لوزان» الموقعة يوم 24 يوليو 1923 لأنها ظلمت تركيا»، هو أكثر الإشارات قوة على أن هناك «سايكس بيكو» جديدة للمنطقة.
«أردوغان» كرر انتقاده لاتفاقية «لوزان» مرتين فى أقل من شهر، أولها فى سبتمبر الماضى، وثانيها يوم الأربعاء الماضى، والمعروف أن هذه الاتفاقية جاءت كأثر مباشر للحرب العالمية الثانية، التى خاضتها تركيا «الدولة العثمانية» إلى جانب ألمانيا، وكانت تركيا معروفة وقتئذ بـ«الرجل المريض»، ووقعت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية اتفاقية «سايكس بيكو» فى 16 مايو 1916 لتقسيم مناطق النفوذ فى المنطقة فيما بينهم، ثم انسحبت روسيا منها بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917 بل قامت بفضحها لأن الاتفاقية كانت سرية، وبالتالى اقتصر توزيع «النفوذ» على بريطانيا وفرنسا.
هناك تفاصيل تاريخية كثيرة فى هذا الأمر لا يتسع المجال لذكرها، لكن يبقى أن الاتفاقية تم بمقتضاها تحديد حدود الدولة التركية الحالية، وإجبارها على التخلى عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام باستثناء مدن تقع فى سوريا مثل «أورفا وأضنة وغازى وعنتاب وكلس ومرعش»، والمعروف أنها سيطرت على كل هذه البلدان وغيرها منذ عام 1516 بمجىء الغزو العثمانى إلى المنطقة واحتلاله لها تحت وهم اسمه «الخلافة الإسلامية».
وحين يتحدث «أردوغان» الآن عن أن «لوزان» ظلمت تركيا لأن «المفاوض التركى، الذى جلس على مائدة المفاوضات كان ضعيفاً»، فهذا يعنى أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام كل الأطراف فى المنطقة، التى ترى أن لها حقوقا تاريخية فى أرض حصل عليها الغير، فالأكراد يؤكدون أن «لوزان» ظلمتهم لأنها أهدرت حقوق الكرد بنسيانها منحهم دولة مستقلة، ومن الطبيعى أن تطالب سوريا بحقوقها فى أراضيها، التى أخذتها تركيا بمقتضى الاتفاقية.
ضمن تصريحات «أردوغان» الخطيرة قوله بكل وضوح: «هناك خطة تطبق فى المنطقة، وهى ليست فى صالح تركيا بل تهدد بقاءها»، وبصرف النظر عن منظوره حول «أرض تركيا» إلا أننا أمام تصريحات تكشف سر ما يجرى فى سوريا والعراق وهو «إعادة رسم المنطقة»، وأن ما يحدث فى حلب والموصل هو بوابة العبور لتلك الأهداف.
القصة ليس لها علاقة بالديمقراطية والاستبداد وحقوق الإنسان، غير أن السؤال الحقيقى: «لماذا تكون الأطراف الخليجية ضمن أدوات التنفيذ؟».