" آه.. لو الحاجة الصح تيجى فى الوقت الصح " هذه المقولة عندما سمعتها للمرة الأولى فى مسلسل "أرابيسك" أدركت أن صلاح السعدنى رجل مسكون بمحبة الله ، كانت الجملة تتلبسنى ، بينما يقولها "حسن النعمانى" وحروفها تخرج ممتلئة بالوجع والحنين، يقولها بعينين زائغتين ، فلا ينظر إلى أمه المشفقة عليه التى تسوق له الحلول المتاحة حتى تستقر روحه القلقة ، يومها عرفت أن هناك سرا مشتركا بينى وبين هذا الرجل.
هل مولدنا ، أنا وصلاح السعدنى ، معا يوم 23 أكتوبر سبب فى أن يسرقنى هذا الفنان من نفسى دائما ، ويجعلنى أشعر به متصالحا مع العالم فأتمنى أن أشبه روحه ، وعندما تطل صورته على الشاشة ينشرح صدرى ، وإن كنت متكئا أعتدل فى جلستى ، وألقى سمعى وقلبى إليه ، وهو يتمهل فى نطق الكلمات فلا يتركها تفلت من شفتيه لأنه يعرف معنى "الكلمة" ويسمح لابتسامة دائمة أن تسكن جانب فمه بشكل دائم لا يؤرق سوى الخائفين من الحياة .
ما الذى أراه فى عينى صلاح السعدنى ، عندما يلتفت إلىّ فجأة ؟، أرى شخصا يملك الحزم والحب والحلم، ولعل "نصر وهدان القط" فى "حلم الجنوبى" هو الشخصية الأقرب لروح السعدنى، الذى يعرف سبل الحق والخير ويبحث عن إنسانية العالم، فى نظرته تفاصيل كثيرة تتجاور مع الخجل الذى يمنحه الوقار والحزن الذى يصيبه كل حين بسبب غياب العدل، هو يفهم لماذا يوجد الشر لكنه يؤمن بأن المستقبل فقط للمؤمنين بالإنسان.
وجه صلاح السعدنى مصحوب بالراحة الدائمة، ملامحه مصرية خالصة، كأنه خارج من مسجد الحسين منذ قليل، يجلس على مقهى منتظرا ابنه العائد من مدرسته كى يحكى له مغامراته البريئة، يسمعها ويضحك، والطفل يواصل الحكى معجبا بأبيه الذى يتسع قلبه ليشمل عالم الطفل الذى بلا ضفاف.
حضور السعدنى يثير فى نفسى قراءة الشعر ويبعث فى داخلى فلسفته، كأنه قصيده كتبها الشاعر الكبير سيد حجاب، والذى حتما كان يقصده إذ يختتم كل يوم مسلسل أرابيسك بقوله "ويرفرف العمر الجميل الحنون/ ويفر ويفرفر فى رفة قانون/ وندور نلف ما بين حقيقة وظنون/ وبين أسى هفهاف وهفة جنون/ ويرفرف العمر الجميل الحنون".
دائما ما يشعرنى صلاح السعدنى بأن خلفه تاريخا طويلا من الثقافة والوعى بقيمة الذات، وأن الفن ليس "أكل عيش"، لكنه أمانه يحملها فى "كونشرتو فى درب سعادة"، فهو دائما فى أعماله يجمع بين متناقضين "صعلوك وملك"، لذا فإن دوره فى مسرحية "الملك هو الملك" التى كتبها السورى الرائع "سعد الله ونوس"، تحمل قدرا كبيرا من فهم صلاح السعدنى للدنيا المتناقضة، والتناقض هنا ليس له سوى معنى واحد هو "الإنسان"، فهو "ابن الإنسان" كما أتخيله وأراه.
اليوم عيد ميلادنا لذا أقول لك كل سنة وأنت طيب يا "صلاح السعدنى".