حاول البعض التشكيك فى استقلالية القرار المصرى خارجيًا، بترويج روايات وأقاويل هنا وهناك حول أنه تابع وليس متفردًا، وأن مصر ستسير فى الخلف تاركة المقدمة والقيادة لآخرين، ربما يملكون من المال والقوة ما تفتقده الدولة المصرية حاليًا، التى تعانى من أزمات اقتصادية متراكمة.
شكك البعض، لكن جاءت الوقائع والحقائق لتثبت للجميع كذب تحليلاتهم ومنطقهم الذى حاول إزاحة القاهرة عن الملفات الإقليمية والدولية لصالح قوى أخرى، وربما يفسر ذلك ترويج بعض الصحف الإقليمية بعد 25 يناير لشعار تراجع دور مصر الإقليمى، فمن روج لهذا الأمر كان يسعى ليكون البديل لمصر.
أتحدث هنا عن وقائع أكدت أن مصر لا تسير خلف أحد، وإنما لها سياسة خارجية مستقلة ومتزنة فى نفس الوقت، لا تناصب أحدًا العداء، كما لا تترك مصالحها فى يد أحد، منفتحة على الجميع فى الشرق والغرب، طالما أنه يحقق الأهداف المصرية التى تغلب فكرة حماية الأمن القومى العربى والإقليمى من الوجهة المصرية، التى قد تتعارض مع ما يراه الأصدقاء والأشقاء، لكن الفيصل أن لمصر تجارب عدة وممتدة تجعلها فى موضع أقرب من الآخرين لتفهم إلى أين تسير الأمور، وما هو الخيار الأنسب فى الوقت الحالى ومستقبلًا.
سياسة متزنة ومنفتحة على الجميع، أتاحت للقاهرة ربما للمرة الأولى منذ عدة سنوات، أن تكون حاضرة وبقوة فى الفعاليات الدولية والإقليمية، حتى فى ظل الحصار الذى يحاولون فرضه عليها اقتصاديًا، فرغم انخفاض معدلات النمو والأزمة الاقتصادية التى يعلمها الجميع، ومحاولات الضرب المستمرة من الأشقاء والجيران وآخرين، إلا أن مصر استطاعت أن تجد لنفسها مكانة ربما أشعلت غيرة وحقد قوى من حولها، فمصر عضو بمجلس الأمن الدولى وعضو بمجلس السلم والأمن الأفريقى، ومؤخرًا حصلت على عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة عن الفترة من 2017 حتى 2020، وذلك بعد أن حصدت عدد 173 صوتًا خلال الانتخابات التى عقدت بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
فى الأزمات تجد دائمًا الصوت المصرى العاقل، وجدناه فى سوريا وكان فى البداية مرفوضًا لكن رويدًا رويدًا بات القول المصرى هو صاحب الحضور القوى، حتى وإن غضب بعض الأشقاء، لكن الحقيقة ربما تكون مؤلمة للبعض، فمصر منذ البداية تقول إنها مع الحل السلمى للأزمة السورية، وضد أى تعاون مع الجماعات الإرهابية حتى وإن اتخذت بعضها غطاءً دوليًا وإقليميًا.
قالتها أيضًا فى ليبيا، وحضت كل الأطراف الإقليمية والدولية على مواجهة الإرهاب الذى أراد أن يتمدد داخل الأراضى الليبية، وهو الحال نفسه لليمن التى نادت مصر خلالها بالحل السلمى، لأن الحل العسكرى فاتورته أقوى من أن يتحملها البشر كما أنه لن يأتى بالحل مطلقًا.
قالتها مصر فى مناسبات وأزمات كثيرة، فى البداية لم يصدقوها لكن فى النهاية ما باليد حيلة، فالموقف المصرى ثابت لأنه لا يتلون، يرفع شعار التعاون مع الجميع، مع إثيوبيا والسودان فى احتواء أزمة سد النهضة، وكل الملفات والأزمات الإقليمية حتى وإن غضب البعض كما قلت، لكن الغاضبين سيعودون يومًا ليعلموا أن مصر كانت على حق.
لذلك لم أتفاجأ من قرار إياد مدنى، بالاستقالة من الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامى، بعد إساءته البالغة وغير المبررة لمصر ورئيسها، لأن السياسة الخارجية المصرية والدبلوماسية المصرية لا تقبل المجاملة، وهدفها واحد وهو الحفاظ على المصالح المصرية والعربية أيضًا، وفى نفس الوقت لا تقبل أى شخص أيًا كان أن يسىء إليها أو يتهكم عليها، لأن القرار المصرى مستقل ولا سلطان لأحد عليه.