ربما ترى فى كلامى هذا غرابة، وربما يصل بك الأمر إلى مرحلة الاستهجان أو الهجوم، لكنى فى الحقيقة تعلمت أن الأكثر إيلامًا من تحمل الهجوم هو كتمان الحق، أو إن شئت الدقة كتمان ما أعتبره حقا، ولهذا فإننى أصارحك بأننى أرى أن الضجة المثارة الآن حول ضبط «شبكة» للاتجار فى الأعضاء البشرية أمر يحمل الكثير من الظلم لكل الأطراف، ظلم للمريض (المشترى) اللاهث حول الشفاء، وظلم للمتبرع (البائع) لجزء من أجزاء جسده، وظلم للطبيب، الذى يجرى العملية الجراحية ليمارس عمله، الذى خلقه الله من أجله، ألا وهو مساعدة الناس على الشفاء، وفى الحقيقة أيضا فإننى أرى أن هذه الحملة المثارة حول عملية زراعة الأعضاء ستقضى على أمل مئات الآلاف من الأسر فى الحياة.
لا تحسب هنا أننى أريد أن يفتح المجتمع الباب على مصراعيه أمام عملية الاتجار فى الأعضاء أو زراعة الأعضاء، لكننى فى الحقيقة أيضا أرى أن القانون، الذى ينظم هذه العملية الآن قانون معيب يفتح باب التلاعب أكثر مما ينظم العملية، وذلك لأنه يضع العديد من العراقيل أمام تلك العملية، ويفتح الباب للسمسرة غير الشرعية، كما يفتح الباب أيضًا لعمليات إجرامية أخرى مثل تزوير شهادات الميلاد لإثبات القرابة بين المريض والمتبرع، فى حين أنه لو كان هناك جرم حقيقى فإنه يقع على عاتق الدولة، التى وقفت ضد فتح باب التبرع من المتوفين رافضة الاعتراف بالموت السريرى، كما هبطت بمستوى معيشة الفرد حتى اضطر آلاف البشر إلى بيع أجزاء من أجسادهم تحت ضغط الحاجة.
الحل من وجهة نظرى لهذه الأزمة هو أن نقنن وضع زراعة الأعضاء بشكل أكثر مرونة، وهو الأمر الذى أقرته أكثر من 150 دولة حول العالم فى إعلان اسطنبول عام 2008 الذى فتح الباب أمام مكافأة المتبرع ماديا عن طريق تعويضه عن تعطله عن العمل أثناء وبعد العملية، ومعنويا من خلال الاحتفاء به ورعايته بعد التبرع ومعاملته كبطل، كما يجب تجريم التبرع بأكثر من عضو حفاظا على حياة المتبرع، بحيث يكون الجرم الأكبر على الطبيب، الذى يقوم بالعملية، نظرا لأنه من الصعب لوم إنسان على محاولة الشفاء بأى شكل، كما أنه من الظلم أيضًا أن نلوم إنسانا من المؤكد أنه فى أمس الحاجة للمال لدرجة محاولته بيع أكثر من جزء من جسده، دون هذا لا أعتبر عملية زراعة الأعضاء جريمة، بل على العكس تمامًا.