بهجة.. بهجة.. بهجة، نشوة.. نشوة.. نشوة، فرح بشىء ما لا تستطيع رصد أبعاده ومداه، تسمع صوت «السمسمية» فيرقص القلب بهجة وانتشاء، تصدح وتقول وتغرد وتبوح، تمنح الروح جرعة إضافية من الولع، تتخيلها بنت فى عمر الامتلاء بالأنوثة، تمر أمامك فتشد العين والقلب معا.
صوت المجموعة ينطلق: «يوما تعاتبنا وقعدنا وشربنا.. الشراب» فتشعر بأن هناك جماعة بشرية خرجت من حدود الزمان والمكان واتفقت على البهجة فحسب، يحلو العتاب مع الأحبة، ويحلو الصفاء بعد العتاب، ويحلو صوت البحر المقبل من حناجر المجموعة المنتشية، صوت البحر الذى علم بورسعيد أن تظل حرة، أن تظل معجبة بنفسها، أن تظل فخورة بقوامها الملتهب، أن تظل أغنية من أغانى الحياة المشعة.
يقول المغنى بصوته الأجش «بت يا ماريا.. حلوة يا ماريا.. يا مجننة القبطان مع البحرية» فتشعر بغنج الرجال محببا، وتشعر بأن الرجولة لا تتعارض مع بعض من الدلال، وهذا ما يميز أغانى السمسمية الطنبورة التى تعد من أجمل إبداعات أهل القناة، فقد صاغ البحر شخصيتهم وأبدع فى تكوينهم مزيلا الفروق الكامنة بين المتعارضات فصار الانسجام عنوان لهم، بوسعيدى يحب «ماريا» وهى فى الغالب امرأة يونانية يطلبها من أبيها اليونانى مخاطبا إياه «عم يا لجريجى.. يا سيدى يا لجريجى.. خد الجنيه الأحمر وهاتلى حبيبى».
شراب وبحر ونساء وسحر، حالة شاعرة تغوص بك فى البهجة الدفينة ممهورة بشعار صنع فى مصر، الذين علمهم البحر فأحسن تعليمهم زرعهم فى الكون كأحد آيات الطبيعة فصاروا إخوة للريح والشمس والليل، علمهم فهم لغة الكون فصاروا يسمعون صوت الياسمين وهو يبكى ويرون حياء السيسبان ودهشة الورد، صار الأفق حدودهم، وصار الكون موطنهم الأصيل، هم مرآة لمحاسن الكون الممتدة، أغنيات تخاطب جميع الحواس فتفعل فى الجسد أفعالها، تهز وجدان الجميع وتجعل من الرقص لغة ومن الغناء فطرة، ومن الموسيقى المنسربة فى الكلمات أكسيرا.
«الحلو لابس ثياب النوم ومزررة بحب مرجانى.. ساعة يسكر ساعة يميل شبه العود الريحانى»، هكذا يغنون وهكذا يعيشون، وهكذا يحتفلون بالحياة فى كل تفاصيلها، اسمهم المفضل «حمام» وجميع من يعرفونه يصبح «حمام» يعشقون الحرية بكل أوصافها وتفاصيلها، فيرون «القمر على صدر جميع ياكل حلاوة ثم يشرب خمير.. وكل شىء له نظر يا حمام».