إلى كل من رسم البسمة على شفاه محبيه.. روح يا شيخ ربنا يسعدك..
رجاء إلى الله أن يتولى عنا إسعاد من أسعدونا يوما من هونوا علينا كثيرا من أعباء حياتنا، حتى وإن رحل بعضهم عن عالمنا لكنهم سيظلون دائما رمزا للسعادة وعنوانا للبهجة.
نداء إلى السماء حمله نيابة عنا الكاتب الصحفى محمد توفيق فى إهداء كتابه الأخير "صناع البهجة" الصادر عن دار المصرى منذ أسابيع قليلة.
على صفحات الكتاب أنت مدعو عزيزى القارئ للبحث عن من تحب عن أيقونة سعادتك الشخصية من بين خمسين شخصية فنية ورياضية وأدبية وصحفية انتقاها توفيق بعناية شديدة ووضعها بين يديك، متمنيا لك أن تجد مَن تُحب فيمن يحب هو.
وكعادته نجح توفيق فى رسم بورتريهات شخصياته ببساطة وحيوية الأسلوب الصحفى، فلعبت مفرادات الوصف دور البطولة فى النص، ثم اختيار الشخصيات التى زينت سيرتها الكتاب، فلم يصف الكاتب أحد بما لا يستحق، ولم يقلل من قدر أحد.
ولأن توفيق زملكاوى أصيل قرر حبس أنفاس القارئ فى بداية الكتاب كما اعتاد أن يحبس ناديه المفضل أنفاس مشجعيه دائما، فبعد أن أوحى إلينا بالبهجة من عنوان الكتاب، حتى فاجأتنى النهايات المأساوية لبعض صناع البهجة، نهايات اصطف كثير منها فى أول الكتاب لا أدرى إن كان عن قصد أم مجرد سوء حظ القارئ، صحيح أن مارى منيب مرت بسلام، لكن بعدها جاء المعلم عبد الفتاح القصرى بكل ما حمله إلينا من بهجة لينتهى به الحال مريضا فاقدا البصر تضطر شقيقته إلى بيع الشاى والسكر كى تنفق عليه حتى يوم رحيله، ولم يحضر جنازته سوى 4 أفراد، ثم من بعده زينات صدقى التى اضطرت إلى بيع أثاث منزلها لشراء الطعام، وحتى بعد أن قرر السادات تكريمها فى عيد الفن الأول، ومنحها شيك بألف جنيه داهمها المرض بعدها بشهور قليلة ووافتها المنية.
بعدهم جاء عبد السلام النابلسى وما عاناه من سوء أوضاعه المالية فى آخر حياته، وعدم قدرة زوجته على تدبير تكاليف جنازته، فتولى أمرها صديقه الفنان فريد الأطرش.. وكأن قدر صناع البهجة النهايات الحزينة.
لكن سرعان ما اعتدلت الدفة مع تدفق حكايات أُسطوات البهجة ممن كاونوا أكثر حظا.. الأستاذ فؤاد المهندس، والحريف عادل إمام، والكيميائى يحيى الفخرانى، وسمير غانم الذى وصفه الكاتب بأنه صنع لـ"الهلس" تاريخا من خلال أفلام المقاولات، فسمير غانم يمكنه أن يصنع من المأساة ملهاة، ومن سرادق العزاء مهرجانا للضحك.
ووصف ماجد الكدوانى أنه يؤدى بسلاسة لاعب كرة شراب لا يرفع عينيه عن الأرض، ويكتفى بمرور الكرة بين أقدام منافسيه ليشعر أنه قد حقق له ما أراد كأنها الشهرة، وتصفيق الجمهور، وشباك التذاكر لا تمثل له شيئا بقدر ما يسعده العمل ذاته.
وصناعة البهجة لم تقتصر على نجوم الفن، لكن نجوم الملاعب أسعدوا الملايين أيضا وعلى رأسهم يأتى المعلم حسن شحاتة فيقول عنه "توفيق" أنه حين ينفرد بالمرمى لا يمكن أن تضيع منه الكرة، بل على حارس المرمى أن يبتعد حفاظا على سمعته الكروية.
وعن حازم إمام بمجرد رؤيته على مقعد البدلاء يمنح جمهور الزمالك شعورا خفيا بالسعادة، فالزملكاوى يسعده اللعب الجميل والفن والمهارة أكثر من الأهداف والبطولات لأنه ببساطة لو كانت تشغله البطولات لكان ذهب لتشجيع الأهلى ووفر على نفسه حبس الأنفاس وحرقة الأعصاب.
ومن أهم مميزات الكتاب أنه لم يصنع أصناما نسبح بنجاحها دائما بلا وعى، بل وضع يده على مواطن الضعف لدى بعض من صنعوا البهجة يوما، لكنهم سقطوا، وحاول أن يقدم تفسيرا لأسباب تراجع بعضهم كمحمد صبحى ومحمد عوض وإسماعيل ياسين، ومحمد سعد الذى لخص الكاتب سبب تراجعه بأنه فنان مغرور فى إضاعة الفرص، ورفض الهدايا، وخذل الجمهور، ورغم ذلك يعتبر نفسه فلتة عصره، ولا يريد أن يواجه نفسه بالحقيقة التى يراها الجميع بوضوح وهو أنه صاحب موهبة كبيرة وعقل صغير.
ولأن الكتاب حافل بمن أحب، لكن لن يتسع هنا المجال إلا لأحب الأحباء البديعة هند رستم، ومن يستحقها من الرجال الشاعر الكبير نزار قبانى.
فوصف توفيق هند: تملك قواما لا يقاوم، وضحكة تذهب العقل، ونظرة تسكن القلب، وطلة تمنح الدفء، وجاذبة بصورة تجعلها تنافس الجاذبية الأرضية، كأنها خلقت كمنيكان غادر الفاترينة ليتجول بين الناس.
إنها هند رستم التى تأسر القلوب دون حرب، وتقتل دون دم، وتنتصر حين تقرر، وتنهزم وقتما تريد، فقد لا تكون الأجمل لكنها الأكثر فتنة بل هى الفتنة ذاتها.
لكن رغم ذلك تحمل إخلاصا وصدقا يكفى بلدا، ويفيض على البلدان المجاورة، فحين أحبت وهبت نفسها لمن اختارته، وتركت من أجله الدنيا وما فيها ومن فيها، والشهرة والنجومية والأضواء والتصفيق والمعجبين وذهبت مع زوجها، ولم تعد.
أما نزار فقال عنه: هو كالنجم.. يسكن فى السماء ليهتدى به سكان الأرض، وبريقه ينير طريق السائرين، ويمنحهم طاقة هائلة من الدفء، والحب، والحيوية، والبهجة.
نزار رجل صنعته المتعة والنشوة، ورسالته فى الحياة نشر الحب والأمل بين البشر، ومهمته إسعاد البشر وتحديدا النساء، فلا أظن أن هناك امرأة جميلة ورقيقة وفاتنة لا تحب نزار، فقد صنع لهن قاموسا خاصا، وطوع اللغة لخدمتهن، وجعل للكلمات بريقا يليق بهن، فصار ملكا متوجا داخل قلوب الحسناوات.