رسمياً سيدخل دونالد ترامب البيت الأبيض فى العشرين من يناير الجارى، لكن واقعياً بدأ ترامب عمله قبل أن يتولى مهامه رسميا، خاصة فى تهديداته للشركات الأمريكية التى تعمل خارج الحدود، وتسببت فى خسائر للاقتصاد الأمريكى.
الثلاثاء الماضى أعلنت مجموعة فورد الأمريكية لصناعة السيارات أنها ألغت مشروعا لبناء مصنع جديد فى المكسيك بقيمة 1.6 مليار دولار، وذلك بهدف الاستثمار فى إحدى منشآتها فى شمال الولايات المتحدة لصنع سيارات تعمل بالكهرباء، وقالت المجموعة فى بيانها «تعلن فورد أنها ألغت مشاريعها لبناء مصنع جديد فى سان لويس بوتوسى فى المكسيك»، وجاء هذا الإعلان بعد الضغوط التى يكثفها ترامب على كبرى الشركات الأمريكية لتعيد مصانعها إلى الولايات المتحدة، مستهدفا خصوصا استثماراتها فى المكسيك المجاورة.
وجاء قرار فورد بعد ساعات من انتقاد وجهه ترامب لشركة جنرال موتورز الأمريكية لصناعة السيارات، وتهديدها بفرض «ضريبة حدود كبيرة» عليها لقيامها بتصنيع سياراتها من طراز شيفروليه كروز، فى المكسيك، وكتب «دونالد ترامب»، فى تغريدة على «تويتر»: «جنرال موتورز ترسل طراز شيفروليه كروز المصنوع فى المكسيك إلى تجار السيارات الأمريكيين معفى من الضرائب عبر الحدود، اصنعوها فى الولايات المتحدة الأمريكية أو ادفعوا ضريبة حدود كبيرة».
ما فعلته فورد يمثل بادرة جيدة ربما تتبعها بقية الشركات الأمريكية سواء بغلق مصانعها فى الخارج أو على الأقل تقليص إنتاجها خارج الحدود الأمريكية، خوفاً من قرارات فجائية يلجأ لها القادم الجديد للبيت الأبيض، الذى راهن خلال حملته الانتخابية على أن تعود دورة المصانع للعمل مرة أخرى بالولايات الأمريكية، وقرر أن يتخذ فى سبيل تنفيذ وعده القرارات والإجراءات التى تكفل له حماية الاقتصاد الأمريكى بالشكل الذى يراه ترامب وأعضاء إدارته ممن يؤمنون بأن الحل فى أن تعود الشركات والمصانع إلى أمريكا، والقضاء على الوضع الحالى، المتمثل فى أن غالبية الشركات الأمريكية تقوم بتصنيع منتجاتها فى المكسيك والصين لتهرب من الضرائب الأمريكية الكبيرة، ثم تعود هذه الشركات لتبيع منتجاتها فى الأسواق الأمريكية، وأمامنا أمثلة كثيرة لشركات سيارات وتكنولوجيا حققت مليارات الدولارات أرباحاً من خلال هذا الطريق.
ارتباطا بتحرك ترامب لتنفيذ وعوده الانتخابية قبل أن يصل رسمياً للبيت الأبيض، طلب الفريق الانتقالى للرئيس الأمريكى الجديد من وزارة الأمن الداخلى، تقييم كل الإمكانيات المتاحة لإنشاء جدار عازل وحواجز على الحدود خاصة مع المكسيك، كما استفسر الفريق عن قدرة الوزارة على التوسع فى احتجاز المهاجرين وعن برنامج للمراقبة الجوية قلصته إدارة الرئيس «باراك أوباما»، لكنه مازال يحظى بشعبية بين المتشددين فى موضوع الهجرة، وسأل الفريق عما إذا كان الموظفون الاتحاديون قد غيروا المعلومات الأساسية التى تحتفظ بها الوزارة عن المهاجرين حرصًا على حرياتهم المدنية.
هذا الإجراء جاء فى إطار تعهد «ترامب» خلال حملته الانتخابية بإقامة جدار والتوسع فى إقامة الأسوار على أجزاء من الحدود الأمريكية مع المكسيك، فضلاً عن تعهده بإلغاء قرارات «أوباما» التنفيذية التى تخص الهجرة ومنها أمر صدر عام 2012 للسماح ببقاء الأطفال الذين جلبهم آباؤهم بطرق مخالفة للقانون فى البلاد، وذلك بموافقة مؤقتة من السلطات المعنية تتيح لهم الدراسة والعمل.
من الواضح من خلال تحركات أدارة ترامب أنها عقدت العزم على تنفيذ كل ما وعدوا به خلال الحملة الانتخابية، خاصة الوعود المتعلقة بالوضع الداخلى سواء اقتصاديا أو أمنيا، وأنه لا مجال للحديث عن أنها كانت مجرد وعود، وينطبق هذا الأمر على بقية وعود ترامب الأخرى، سواء المتعلقة بتضيقه على المتطرفين أو فى سياسته الخارجية، وهو ما يستدعى من الجميع إعادة النظر مرة أخرى لرؤاهم تجاه ترامب، خاصة الدول التى بنت كل تفكيرها على أن كل ما قاله ترامب لن يتحقق منه شىء فى الواقع.