ما يحدث فى أزمة الدواء واختفاء بعض الأصناف، هو انعكاس لما يجرى فى الكواليس، ومحاولات شد الحبل بين أطراف الأزمة، وكل طرف يريد تحقيق مصلحته، الأزمة فى الدواء معقدة لأن بها أطرافا متعددة، المنتجين والمستوردين ووزارة الصحة والصيادلة ونقابة الصيادلة، وكل طرف من هؤلاء له مصالح، والوحيد الذى يدفع الثمن هو المريض، هناك المنتج سواء الشركات التابعة لقطاع الأعمال والتى كانت توفر فى وقت من الأوقات ما يقرب من %90 من حاجات السوق.
هناك أيضا منتجو القطاع الخاص فى الدواء، وهؤلاء أيضا واجهوا ارتفاع أسعار الخامات، بعد تعويم الجنيه، وهم يستوردون الخامات بالعملة الصعبة، وفى المعادلة، المستوردون، وهؤلاء ينقسمون بين مستوردى الخامات، ومستوردى الدواء والأصناف التى لا يتم إنتاجها محليا، وبالطبع الصيادلة وسيط لبيع الدواء، ويبحثون عن هامش ربح مرضٍ ومناسب، وهم مواطنون لديهم احتياجات ويعيشون فى المجتمع، نقابة الصيادلة بالطبع تقف مع المصالح الفئوية لأعضائها، بصرف النظر عن أى عناصر أخرى، وقد أعلنوا الإضراب عن العمل ودعوا الصيادلة لإغلاق الصيدليات لعدة ساعات فى اليوم، وذلك للضغط من أجل رفع هامش الربح، هناك الدولة والحكومة، وهو الطرف الذى يتفاوض مع كل الأطراف حتى يمكن توفير الدواء وكل أصنافه بأسعار مناسبة للمرضى.
المريض هنا، هو الطرف الأضعف، فهو الذى يدفع ثمن لعبة شد الحبل، وثمن مصالح الأطراف الفاعلة والمتحكمة فى صناعة وتجارة الدواء، فالدواء لا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله، بينما يمكن للمواطن أن يستغنى عن بعض الطعام أو الملابس، لكن الدواء لا يمكن استبداله.
الحكومة من جهتها تقول، إنها تمثل مصالح المواطن المريض، وإنها تواصل التفاوض طوال أسابيع، للتوصل إلى صيغة توافقية، تحقق هامش ربح للشركات والمستوردين، من دون ارتفاعات ضخمة، وظهرت بعض الإشارات إلى أن أصحاب المصالح وراء اختفاء بعض الأصناف، وأن المريض فى الواقع يدفع ثمن تعنت المستوردين ومنتجى الدواء.
المنتجون والمستوردون يردون بأن انخفاض الجنيه، وكون جميع الخامات مستوردة رفع تكاليف الإنتاج، وهم لا يطلبون غير هامش ربح مناسب. ويتهمون وزارة الصحة بالتعسف فى التسعير وعدم مراعاة متطلباتهم، وفى نفس السياق يقف الصيادلة، وتلوح نقابة الصيادلة بالإضراب، لضمان هامش ربح معقول للصيدليات.
الحكومة أعلنت التوصل إلى صيغة للتفاهم مع منتجى ومستوردى الدواء، وأن الاسعار سوف ترتفع فى %15 من إنتاج كل شركة، ونسبة من أدوية الأمراض المزمنة، وبالرغم من ذلك تظل الأزمة قائمة، لأن أسبابها مستمرة، ويبقى المريض رهينة لضغوط كل الأطراف، والملف مفتوح.