لست متخصصا فى الاقتصاد، لكنى أعرف أن تحرير سعر أى سلعة يعنى أن نضعها فى السوق وفق شروط «العرض والطلب» فإذا كان الطلب مرتفعا ارتفع سعرها، وإذا كان منخفضا انخفض، وهذا الأمر هو أول شروط الاقتصاد الحر الذى ظننت أن مصر تبنته، مؤخرا، على ما به من صعاب، لكن للأسف حدثت لى تجربة شخصية جعلتنى أتساءل: هل حررت مصر سعر الصرف فعلا؟
التجربة باختصار هى أننى كنت أعد العدة للسفر إلى جمهورية الصين لمتابعة حفل ختام العام الثقافى المصرى الصينى، ولهذا قررت أن استبدل بعض النقود المصرية بأخرى صينية، وفوجئت أن بنوكنا لا تعترف بالعملة الصينية ولا تمتلك رصيدا يمكنها من إجراء عملية الاستبدال للمصريين، وهو أمر أصابنى بالدهشة لأننا كثيرا ما نردد أننا نتعاون «نقديا» مع الصين، وأن مصر أجرت معها اتفاقا لحرية تبادل العملة فى الوقت الذى اعترف العالم بالعملة الصينية كإحدى العملات الرئيسية فى العالم، فلماذا التأخير فى التعامل باليوان الصينى؟ ولماذا نجبر المسافرين إلى هذا البلد أو المتعاملين معه إلى استبدال الجنيه المصرى بالدولار الأمريكى ثم تغيير الدولار الأمريكى إلى يوان صينى ليخسر الاقتصادان المصرى والصينى فروق سعر العملة والتحويل، ويستفيد الاقتصاد الأمريكى فحسب؟
المفاجأة الثانية كانت حينما أردت تحويل بعض العملة المصرية إلى أمريكية، فذهبت إلى أحد أكبر البنوك الخاصة فى مصر باعتبارى أحد عملائه لإجراء عملية التغيير، وهنا كانت المفاجأة، حيث أخبرنى الموظف «المحترم» بأن عملية التغيير ليست «حرة» وأنها تخضع لشروط كثيرة، أولها أن تحضر تأشيرة السفر لهذا البلد وتذكرة الطيران، وثانيها أن تكون أحد العملاء الدائمين للبنك، وثالثها أن حد الشراء ليس مفتوحا، والبنك هو المحدد الوحيد لهذا الأمر، فلو كان حجم تعاملاتك أقل من 150 ألف جنيه مصرى فى العام فلن تحصل إلا على 250 دولار، وإن كانت من 150 ألف إلى 500 ألف فلن تتمكن إلا من شراء 500 دولار، وإن كانت فوق الـ500 ألف فمن حقك أن تحصل على ألف دولار، وهو ما يعنى باختصار أننا لم نحرر سعر الصرف فعلا، وأن البنوك المصرية مازالت تدفع المواطنين الراغبين فى تحويل العملة إلى السوق السوداء التى تنتعش فى مثل هذه الأجواء المقيدة، مما ينذر بتفاقم الأزمة قريبا، فمن فضلكم افعلوا شيئا واحدا بطريقة صحيحة حتى لا نبكى قريبا وقت لا ينفع فيه البكاء.