هذه الانتفاضة الشعبية التى شارك فيها ملايين المصريين لم تستلم السلطة أو تدير الاقتصاد
بعد مرور ست سنوات على ثورة أو انتفاضة 25 يناير أصبح الخطاب العام فى مصر يتقبل بسهولة مقولة إن 25 يناير مؤامرة أو فوضى لم يكن المجتمع أو الدولة فى حاجة إليها، وهى مقولة زائفة تكشف فى الحقيقة عن خطأ فى التفكير، وسذاجة فى الاستدلال، وتغييب واضح للحوار العام المستند إلى المنطق وأحكام التاريخ.
كيف تكون 25 يناير مؤامرة وقد شارك فيها ملايين المصريين من مختلف الطبقات، وكيف يمكن القبول منطقيًا بأن هذه الملايين كانت ضحية لمؤامرة من الإخوان وقوى خارجية، ما يعنى أن المتآمرين نجحوا فى استغلال كل هذه الملايين، أليس فى ذلك إهانة للمصريين.
وكيف تكون 25 يناير مؤامرة فى ظل وجود أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة، يمكن أن نقول إن دولة مبارك كانت ضعيفة وبها فساد، لكن لا يمكن التسليم بخرافة أن أجهزة الأمن المصرية- وهى كثيرة وقوية- لم تكن تعرف بأن هناك مؤامرة، وبأنها كانت قادرة على كشفها، خاصة أن أصحاب مقولة 25 يناير مؤامرة يتهمون الإخوان وحماس وقطر وإيران وتركيا وحزب الله وأمريكا وإسرائيل بالوقوف وراء مؤامرة يناير وتنفيذها، أى أن لدينا ثمانية أطراف يسهل للأجهزة الأمنية المصرية معرفة بعضها، والتصدى لها، ثم يبقى السؤال: كيف يمكن أن تجتمع كل هذه الأطراف، وتنسق فيما بينها لإحداث عمل تآمرى كبير بحجم 25 يناير!، والأجهزة الأمنية المصرية لا تعرف، وكيف التقت المصالح والأجندات الخاصة لكل هذه الأطراف الثمانية رغم ما بينها من خلافات وصراعات.
أعتقد أن مقولة 25 يناير كمؤامرة لا تصمد أمام أى نقاش أو تفكير عقلانى، لكنها للأسف انتشرت لعدة أسباب أهمها تدهور التعليم فى مصر، وتحيزات الإعلام، وتغييب الحوار العقلانى، واعتماد أنصار مبارك وقوى الثورة المضادة على خطابات التخويف والمغالطات لتشويه 25 يناير.. وأهم هذه المغالطات ادعاء أن يناير هى المسؤولة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والغلاء والبطالة، مع أن هذه الانتفاضة الشعبية الواسعة والتى شارك فيها ملايين المصريين لم تستلم السلطة أو تدير الاقتصاد، لذلك فهى ستبقى فى التاريخ انتفاضة وليست ثورة، لأن الثورات هى التى تُحدِث تغييرات اجتماعية وسياسية عميقة، تعتمد فيها على سلطة الدولة والشرعية الثورية، وتسن قوانين وتُنشئ محاكمات استثنائية، وهو ما لم تقم به انتفاضة 25 يناير، التى اكتفت بتسليم السلطة للمجلس العسكرى، والذى اهتم بالحفاظ على الاستقرار وكيان الدولة، ولم يقم بأى إجراءات ثورية، مع أنه كان بالإمكان لو توافرت لديه الإرادة أن يحافظ على كيان الدولة والجيش، وفى الوقت نفسه يتخذ إجراءات ثورية لإصلاح الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية.
يتردد أيضًا أن 25 يناير، كانت السبب فى وصول الإخوان للحكم، بالرغم من أن الثوار فى ميادين مصر لم يرفعوا شعارات دينية من أى نوع، كما أن الإخوان لم يشاركوا فى الأيام الأولى للثورة، ولم يظهر السلفيون إلا بعد الإطاحة بمبارك، ومن المستحيل منطقيًا أن تتحمل 25 يناير المسؤولية عن البدء بالانتخابات قبل كتابة دستور جديد، وعن السماح للإخوان والسلفيين بالعمل بالسياسة والدين فى آن واحد، لقد اختصر المجلس العسكرى الديمقراطية والثورة فى إجراء انتخابات سمحت للإخوان والسلفيين بالهيمنة على البرلمان، ووصول محمد مرسى للحكم، فى ظل ما عبر عنه أحد المشايخ السلفيين بغزوة الصندوق الانتخابى.
انتفاضة يناير غير مسؤولة عن مليارات الدولارات، التى هربها رجال مبارك بسعر منخفض للدولار مقابل الجنيه، مما أدى إلى ضياع احتياطى مصر من النقد الأجنبى.. انتفاضة يناير، كقيم وشعارات نبيلة تدعو ولا تزال للحرية والعدالة الاجتماعية، غير مسؤولة عن استهداف الإخوان للسجون أو رموز الدولة والدعوة لإسقاط الجيش.
وأخيرًا انتفاضة يناير غير مسؤولة عن أخطاء الإخوان، وعن أخطاء ومؤامرات قوى الثورة المضادة، التى تصور حكم مبارك الاستبدادى بأنه عصر الإنجازات والتنمية، وهى أوهام غير حقيقية ومغالطات للتاريخ، وإلا لماذا ثار ملايين المصريين ضده، ونزلوا للشوارع والميادين، وحازوا إعجاب وتأييد أغلبية الشعب.. لقد طالبوا بتغيير حقيقى لكنه لم يتحقق.