لم تكن تتخيل حين اعترضت موكب الرئيس يأسا من الحصول على حقها فى العلاج ، أن تنقلب وزارة الصحة رأسا على عقب ، وأن يسخر وزير الصحة وقته وجهده للاستجابة لشكواها التى طالما صرخت بها دون مجيب.
إنها سيدة أسوان التى يتمنى كل المرضى المعذبين فى مصر أن يحصلوا على نصف الاهتمام الذى حصلت عليه بعد لقائها الرئيس.
طائرة تنقل السيدة من مقرها بأسوان إلى القاهرة ، بعد اتصال وزير الصحة بها وتأكيده أنها ستلقى الرعاية الطبية اللازمة على نفقة الدولة ، وسيارة إسعاف تنتظرها فى المطار مجهزة بفريق طبى من أساتذة جامعة عين شمس فى تخصصات الجراحة العامة والتخدير والأورام والباطنة لتوقيع الكشف عليها فور وصولها، ثم نقلها إلى مستشفى دار الشفاء إذ أجريت لها كل التحاليل والإشعات على سائر أنحاء جسدها الذى أنهكه طول انتظار العلاج حتى قادها الحظ لمقابلة الرئيس ، وتأكيد مستمر من وزير الصحة على متابعة حالتها أولا بأول لحين ظهور نتائج الفحوصات لتحديد العلاج اللازم.
ولأن سيدة أسوان "متوصى عليها " قررت المستشفى احتجازها لوجود تورم فى ساقها اليمنى يجب فحصه قبل خروجها.
وبقدر ما هو محسوب للرئيس اهتمامه بمشكلة السيدة التى اعترضت طريقه واستنجدت واستغاثت به من إهمال وزارة الصحة ، وعدم حصولها على حقها فى العلاج الذى كفله الدستور لها ولكل المصريين ، بقدر ما تجسد هذه الواقعة ما يعانيه المواطن من إهمال المسئولين وعدم تحركهم إلا بتعليمات الرئيس .
يتشابه مع الواقعة السابقة ما فعله الشاب الأسوانى الذى واجه المحافظ بإهماله أمام الرئيس ، وكشف أن الأجهزة المحلية لا تعمل لصالح المواطن بل تعمل فقط استعدادا لزيارة رئيس أو مسئول ، وتكتفى فقط بإخفاء سوءات المحافظة حتى يمر المسئول كما أخفى المحافظ مواسير الصرف الصرف فى نهر النيل.
كم مواطنا مصريا مريضا يتمنى أن تقوده الصدفة للقاء الرئيس قبل أن تقتله رحلة البحث عن جرعة دواء ، وكم مواطنا يعانى من إهمال المحافظين والمحليات ويتمنى أن يكشف فسادهم أمام الرئيس ويقول أكثر مما قاله الشاب الأسوانى.
كم مواطنا اضطره ذل المرض والعجز عن الحصول على الدواء إلى اللجوء للمحاكم حتى يحصل على حقه الدستورى فى العلاج ، وكم حكما صدر لصالح مواطنين معذبين بأمراض مزمنة ، ولم تنفذه وزارة الصحة التى انقلبت رأسا على عقب لعلاج سيدة أسوان بعدما قابلت الرئيس .
آلاف الأحكام القضائية صدرت بأحقية مواطنين فى العلاج لم تنفذها وزارة الصحة ، فى تجسيد واضح لأقسى درجات إهانة الآدمية، التى تضطر مريضا ضعيفا أنهكه عذاب المرض ، أن يتجرع عذابات أخرى بين أروقة المحاكم والمستشفيات للحصول على جرعة دواء تخفف آلامه.
أحكام قضائية صدرت بإلزام الدولة بعلاج مرضى الشرايين التاجية مجانا ، دون إجبارهم على تحمل فارق السعر كشرط للحصول على الدواء واعتبرت المحكمة أن هذا الإجبار إهانة لمفهوم المواطنة ، وأن علاج غير القادرين من أقدس واجبات الدولة، فيما أصدرت المحاكم 500 حكما لعلاج الأطفال دون السن الدراسى وتلاميذ مدارس وجامعات من أمراض خطيرة ومزمنة ونادرة .
وقالت المحكمة فى حيثيات أحد الأحكام فى دعوى أقامها أب لعلاج طفلته البالغة من العمر عامين : "إذا كان امتناع التأمين الصحى ووزير الصحة عن تقديم العلاج للمريض جريمة، فإن الامتناع عن تقديم العلاج للأطفال هو أبشع ألوان الجرائم"
كما أصدرت المحاكم 2000 حكم لمرضى الفشل الكلوى بالبحيرة بحصول كل منهم على بدل انتقال بقيمة 600 جنيه شهريا قيمة الانتقال من وإلى أماكن الغسيل الكلوى، نظرا لمعاناة المرضى فى الانتقال لثلاث أو أربعة مرات اسبوعيا لأماكن الغسيل الكلوى .
وبالطبع لم تنفذ وزارة الصحة أغلب هذه الأحكام ، حيث يوجد آلاف المرضى فى المناطق النائية والبعيدة يعانون أشد المعاناة فى الحصول على العلاج ، ومنهم الحاجة هانم المصابة بفشل كلوى ، والتى نشرنا مأساتها بانفراد، حيث تعانى السيدة المسنة من تكلفة الانتقال من قريتها النائية بالوادى الجديد إلى أقرب مستشفى ، والتى تبلغ 1000 جنيه شهريا، إضافة إلى أسعار الأدوية ، وآلاف المواطنين الذين يلجأون لوسائل الإعلام من صحف وقنوات فضائية يستنجدون للحصول على العلاج ، ولا تستجيب وزارة الصحة لاستغاثاتهم ، وإن استجابت تكتفى بالرد الشكلى لتستمر معاناة المرضى بلا نهاية.
فكم مواطنا مصريا يحلم بلقاء السيسى حتى ينتهى عذابه ويتحرك المسئولون لأداء مهامهم التى لا يعرفونها إلا بتعليمات الرئيس ؟