يخبرك بعضهم بحماسة عميق مستخدم مواقع التواصل الاجتماعى صاحب القهوة وصوت فيروز بما يفهمه عن سياسة القطيع، ويبدأ فى الإشارة إلى الجماهير الهادرة فى قلب شوارع القاهرة، احتفالا بالمنتخب المصرى على أنها قطعان شعبية تم إلهاؤها ومضحوك عليها، ولابد من السير فى الاتجاه المعاكس لها كى يكون مختلفًا.
فى عكس اتجاه الفرحة المصرية يسير سعادة الناشط على مواقع التواصل الاجتماعى ويتسرب منه تنظيرات كثيرة عن خطة إلهاء الشعب عن أزماته بكرة القدم، دون أن يذكره أحدهم أن ذروة النشاط السياسى والغضب الشعبى المصرى قبل ثورة 25 يناير حدثت، حينما كان المنتخب المصرى متوجا بثلاث بطولات أفريقيا، وكان شاغل المصريين الأكبر مسيرة الأهلى، التى لا تتوقف فى البطولات وصراع الزمالك للحاق به.
نشطاء الفيس بوك، الذين يروجون لفكرة إلهاء الشعب بمباريات المنتخب يعانون من مرض قلة الوعى، لأن نظرة بسيطة إلى خريطة العالم ستخبركم وتخبرهم، إن كانوا يسمعون أن كرة القدم فى شتى بقاع الأرض هى سيدة اهتمام المواطنين فى بلدان يعتبرونها هم قبلة الديمقراطية، نفس السادة النشطاء، الذين يعتبرون أن تهنئة القيادة السياسية للمنتخب أو مشاهدته لمباراة فى بطولة الأمم الأفريقية محاولة استغلال سياسى لشعبية كرة القدم، هم أنفسهم الذين يعتبرون وجود أنجيلا ميركل فى المدرجات لتشجيع منتخب ألمانيا نوعًا من أنواع التحضر.
هى قلوب أثقلها مرض الخصام السياسى بشكل يجعلها ترى ماهو حلال للآخرين حرام على المصريين، وماهو تعبير عن ديمقراطية فى بلدان أخرى، تعبير عن استغلال فى مصر، وهم فى ذلك لا يختلفون أبدًا عن نشطاء الإخوان وبعض النشطاء السياسيين، الذين أعلنوا صراحة أمنيتهم فى خسارة المنتخب المصرى تارة تحت مظلة ألا يلهى الفوز الناس عن الأزمات الاقتصادية، وتارة تحت مظلة الرغبة فى أن يظل المصريون محاصرين بالإحباط وعدم الأمل.
الحالة التى تجلت فى شوارع مصر بعد كل مباراة تتقدم بها مصر نحو نهائى بطولة الأمم الأفريقية، تعبر عن الصورة الحقيقة لروح هذا الوطن وأصله، بهجة تتحول إلى غربال فرز قادر على أن يخبرك من يحب مصر لوجه الله، ومن يحبها من أجل مصلحته السياسية أو المصلحة، التى تخدم تياره المخاصم للدولة، بعد فرحة المصريين بالفوز على بوركينا فاسو تجلت أقبح صور المنافقين الفجر فى الخصومة، حينما شاهدنا فضائيات الإخوان وبعض قيادات الجماعة وهم يتمنون هزيمة المنتخب حتى لا يفرح المصريون، ولكن يد الحضرى كانت أسبق لمظلة عناية الله من كلماتهم المغموسة بالكراهية والرغبة فى الانتقام.
مايحدث للمنتخب المصرى فى الجابون، صورة مصغرة لصورة الوطن الأكبر، كلما تخيل أحدهم أن مصر فى أزمة أو تعانى ضعفا أو أزمة تنتفض وتصنع معجزة ما مثلما يحدث الآن فى أمم أفريقيا، ستندهش من حالة التقريب بين الصورتين قائلا: «ده ماتش كورة، متكبرهاش أوى كده يعنى!!، هقولك مفرقتش كتير، لأن ماتش الكورة ملخص لحاجات كتير أوى».
منذ 6 سنوات ومنتخب كرة القدم يعانى فى وطن بلا دورى منتظم وبلا أداء كروى حقيقى بسبب الفوضى والمظاهرات وغياب الجماهير، ومع ذلك يصبح قادرا على العودة مجددا إلى منصات المنافسة، هذا الوضع مؤشر أمل على إمكانية تكراره فى الساحة الاقتصادية والسياسية فقط إن أخلص العاملون فى هذه المجالات إخلاص أحمد فتحى وحجازى وعلى جبر وتريزجيه، ومن قبلهم عصام الحضرى. ماحدث فى الشوارع والمقاهى بالأمس بعد وصول المنتخب إلى النهائى فرحة صنعت هزة غربال فرز تكشف أمامنا الفرق مابين جمع بشرى لمواطنين مصريين كل أملهم أن ينتصر هذا الوطن ويرفرف علمه، بينما آخرون كل مايشغلهم أن تخسر مصر عندًا فى السلطة، التى يختلفون معها، وغيرهم اختاروا كراهية هذا الوطن من بعد 30 يونيو كان دعاؤهم أن يخسر المنتخب حتى يزيد الغضب فى نفوس الناس، وآخرون بين هؤلاء وأولئك كل أمنياتهم أن تخسر مصر حتى تستمر رحلتهم فى نشر الإحباط والتشكيك فى قدرة المصريين على فعل أى شىء إيجابى وإعجازى.
شكرا للمخلصين فى المنتخب المصرى، شكرا للفرحة التى أعادت غربال الفرز من جديد لنعلم جيدا من هو العدو ومن الحبيب، وأين يقف هؤلاء الذين تعلو مصالحهم على مصالح الوطن وناسه؟!