الرئيس الأمريكى وقف منكسراً لا يدرى ماذا يصنع أمام قاض فيدرالى جعل قراره فى مهب الريح
فى أسبوعه الأول من الرئاسة الذى يعد الأسوأ فى تاريخ الرؤساء الأمريكيين، أصدر ترامب قراراً عنصرياً يصطدم مباشرة مع الدستور الأمريكى يحظر دخول سبع جنسيات لأمريكا، ظن ترامب أنه يقود دولة من دول العالم الثالث، سيفعل فيها ما يشاء، ويتصرف فيها كيفما شاء، وأن شعبه سيصفق له مع كل دغدغة لعواطفه ما دامت لا تضر الأمريكان أنفسهم، ولكنهم انتفضوا ضده، وكذلك حلفاءه الغربيين فى سابقة فريدة، فى الوقت الذى صمت فيه أصحاب الشأن الرئيسى من الشعوب والدول العربية والإسلامية.
البرلمان البريطانى اعترض، وبرلمانات العرب التى سيضر القرار أشقاءها صمتت، حكام بعض الولايات الأمريكية ونواب عموميون أمريكيون سخروا من مخالفة القرار للدستور الأمريكى، والحقوقيون العرب سكتوا وبعضهم فرح شماتة فى آخرين أو كراهية لهم، حيث لا يهمهم دستور ولا قانون.
ظن ترامب أن الفرقعات والقرارات الهوجاء، والهياج الأجوف الذى أطلقه كثيراً فى فترة الدعاية يمكن أن تمر هكذا وهو فى الرئاسة، قراره العنصرى الذى يحرم جنسيات كاملة وليس أشخاصاً بعينهم من حقوقهم القانونية، لم يعرف ترامب أن مائتى دعوى قضائية ستدخل دهاليز القضاء ضد قراره خلال أيام، هذه الدعاوى ليست من آحاد أو مغمورين، ولكنها من قانونيين كبار فى أمريكا لا يضرهم القرار فى شىء، منهم النائب العام بواشنطن وحاكمها ووزيرة العدل بالوكالة التى ضحت بمنصبها.لم يدرك ترامب أن أمريكا حرة وفيها قضاة فوق الشبهات مثل «جيمس روبارت» القاضى الفيدرالى، وهو قاضى جمهوري–من نفس حزبه- عينه من قبل بوش الابن، هذا القاضى الشجاع حكم بوقف قرار ترامب.
قرار أقوى رجل فى العالم الرئيس ترامب يتبخر فى لحظات أمام قوة كلمة هذا القاضى الذى نسف قراره، والغريب أن كل السلطات الأمريكية فى جميع الولايات تركت قرار الرئيس ونفذت حكم القاضى، إنها قوة الدستور والقانون والحرية والديمقراطية، إنها أقوى من السوط والسيف والسلطة.
لم يستطع ترامب أن يفعل تجاهه شيئاً سوى أن يسطر بضع كلمات فى تويتر وكأنه ليس رئيساً، لا يستطيع تجاوز القضاء رغم جبروته الظاهر، تويتة ترامب كانت عاطفية سطحية كشخصه «الأشرار فرحون جداً، سيتدفق الأشخاص السيئون والخطرين على بلادنا»، والإجابة يمكنك أن تمنع الخطرين والسيئين، ولا تمنع جنساً بأسره، خاصة أن أمريكا كانت السبب الأول فيما حاق بالعراق وسوريا وليبيا والصومال، مأساتهم صنعتها أمريكا فى المقام الأول. اعتبر نائب الرئيس الأمريكى «أن القانون الأمريكى يتيح للقاضى روبارت فعل ما فعل، ونحن سنتقيد بالقانون وما يقرره القضاء»، النائب يفك بحكمته الاشتباك المتوقع بين الرئيس والقضاء.
حكام الولايات ليسوا ظلاً للرئيس، والقضاة ليسوا ظلاً له أيضاً، الكل حر، شرب من معين الحرية والكرامة حتى ارتوى، هؤلاء يفهمون ويطبقون كلمة عمر بن الخطاب أكثر منا «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». الحرية تجرى فى دماء الشعوب الحرة، وتجرى معها المسؤولية والقانونية، ولذلك سادت هذه الأمم، إن الله ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الأمة الظالمة ولو كانت مؤمنة، إيمانك ينفعك أنت، أما العدل فينفع الأمة كلها.
متى ينعم العالم الثالث بهذه الحريات، وبهذه الديمقراطية، متى ينعم بتداول السلطة بحق، متى يكون فى بلاد العرب ستة رؤساء يعيشون جميعاً ويتقابلون ويقصون ذكرياتهم فى الحكم للأجيال اللاحقة؟ متى نرى أناساً يضحون بمناصبهم حماية لحقوق غيرهم حتى وإن كان هذا الغير ضعيفاً أو فقيراً أو معدوماً أو غريبا أو سوريا أو فلسطينياً أو ليبيا.ترامب رغم كل صخبه وهيلمانه وقف منكسراً لا يدرى ماذا يصنع أمام قاض فيدرالى جعل قراره فى مهب الريح، سلام على الأحرار والحرية أينما حلت وارتحلت، فالأمم الحرة هى التى ستنحنى لها الأمم احتراما.