بمناسبة التعديل الوزارى هناك مقولة رائجة من عقود، أننا بحاجة إلى وزراء ورئيس حكومة سياسيين، وليسوا «تكنوقراط»، ولدينا مقولات تروج فى حياتنا السياسية، بعضها يأخذ مكانه من كثرة الاستعمال، لتصبح بديهيات، بينما هى مجرد كلام بلا معنى واضح، على طريقة أن مصر بها مناجم ذهب مختفية، تكفى كل الشعب، أو الوزير السياسى يحل أزماتنا الاقتصادية والسياسة.
المقصود بالوزير السياسيى أنه لا يشترط أن يكون متخصصا، ففى أوروبا والدول المتقدمة، لا يشترط أن يكون وزير الداخلية ضابط شرطة، أو وزير الصحة طبيبا، إلى آخره، مع الأخذ فى الاعتبار أن المناصب الوزارية يتولاها كوادر حزبية، يمارسون العمل السياسى لفترات طويلة داخل الأحزاب والمنظمات العامة، لكنها تعنى عندنا هؤلاء الذين يكونون قادرين على مخاطبة الرأى العام، بعيدا عن التعقيدات والتخصص، وهى مواهب لا تظهر من دون ممارسة.
كان رؤساء الوزراء فى عهد مبارك من عاطف صدقى حتى أحمد نظيف يوصفون بأنهم «تكنوقراط»، ومن المفارقات اليوم أن البعض يصف نفس هؤلاء الوزراء والمسؤولين البرلمانيين، من أمثال فؤاد محيى الدين، وصفوت الشريف وفتحى سرور ورفعت المحجوب، بأنهم كانوا سياسيين. وهناك نظرية طرحها الأستاذ عبدالغفار شكر بأن أغلب من تصدروا العمل العام وتولوا مناصب فى حكم السادات ومبارك، هم من كوادر الاتحاد الاشتراكى، بل وحتى الحزب الوطنى والأحزاب التقليدية، مثل التجمع والعمل والناصرى، أسسها من كانوا وزراء أو كوادر سياسية فى المرحلة الناصرية، وبالتالى المفارقة أن من طالبوا بتغيير بنية النظام السياسى هم من يدافعون عن تصور قديم ثاروا عليه.
ثم إن من يطالبون بوزراء سياسيين، لا يملكون مفهوما واضحا لمعنى الوزير السياسى، مع الأخذ فى الاعتبار أن حالة الفراغ السياسى القائمة، هى مسؤولية السلطة، والمعارضة بنفس المستوى، خاصة أن أغلب الكوادر السياسية البارزة، دخلت السياسة بعد المعاش أو فى أعمار متأخرة، وكلها تعانى من ثنائية الصراع بين السلطة والمعارضة، ولا يخلو حزب قديم أو جديد من صراع على السلطة، ينتهى إلى صدام. الوفد والناصرى من الأحزاب القديمة، والدستور والمصريين الأحرار من الجديدة، وبالتالى فإن الدعوة لتسييس المناصب، يعنى تحزيبها، قد تقود فى ظل الفراغ السياسى إلى صدام.
الغائب هنا ليس الوزير السياسى، الذى يبدو أحيانا من المستحيلات، كالغول والعنقاء، الأزمة هى فى غياب السياسة نفسها، بمعنى الحوار وتجاوز ثنائيات «المؤيد والمعارض» إلى السياسى القادر على التحاور والطرح وتجاوز الغضب إلى الممارسة اليومية بعيدا عن حالة رد الفعل، والمشى فى المكان.