إذا كنا نرغب فعلا فى عودة السياحة وزيادتها فلا يجب الاستسلام للبيروقراطية القاتلة
بعض القرارات والمواقف المنسوبة لمسؤولين حكوميين يحتاج تفسيرها أو تفهمها إلى قدر من الجنون، لأنها أكبر من عقلية العاقلين، طبعا الله يكون فى عون الحكومة فى ظل تكدس الملفات وكثرة المطلوب مع ضعف الإمكانيات، لكن هناك أمورا لا تتطلب سوى قرارات حاسمة مستندة إلى رؤية واعية لطبيعة الأوضاع الحالية، والتأخر فيها يعنى إهدار الوقت والفرص دون مبرر.
مثلا عندما يصدر قرار فى غفلة بزيادة قيمة تأشيرة الدخول إلى مصر فى وقت نبحث عن أى وسيلة لتشجيع السياح لزيارة مصر، وعندما يصرخ المستثمرون والعارفون بأوجاع السياحة، تتراجع الحكومة وتعلن تجميد القرار لأجل آخر، و قبل أن تسمع الحكومة شكر رجال السياحة، تعلن شركة مصر للصوت والضوء والتنمية السياحية، رفع أسعار تذاكر الصوت والضوء بجميع المناطق «الهرم- الكرنك- إدفو- فيلة- أبو سمبل»، اعتبارا من إبريل المقبل، حتى وإن كانت الزيادة ليست ضخمة، لكن كلمة «زيادة» نفسها فى هذا التوقيت ليست لصالح حملة الترويج السياحى لمصر.
المهم أن كل هذا يحدث وممثلو مائة شركة مصرية فى بورصة برلين السياحية، يحاولون بشتى الطرق، فتح أبواب الرزق السياحى لتحقيق أى صفقات أو تعاقدات لجذب السياح إلى مصر، دون أن يكون معهم أى كروت جذب سوى مكانة مصر و مناطقها السياحية، التى لم تعد تكفى وحدها لإقناع الوكالات السياحية، حتى وعود الحكومة للمستثمرين السياحيين بالتخفيف عنهم بتأجيل جميع مديونياتهم من الكهرباء والمياه والغاز أو المديونيات المستحقة لهيئة التأمينات أو تراخيص السيارات لم تتخذ الحكومة حتى وقتنا هذا خطوة واحدة فعلية فى تنفيذها حتى تعطى لهم فرصة تقديم عروض مناسبة، فكل وعود الحكومة شفهية لم تكتب على ورقة.
الأمر محير ولا يستوعبه إلا مجنون، فالمفترض أن وزير السياحة واحد من وزراء الحكومة ولديه قائمة بمطالب أهل السياحة، ويعلم مدى أهمية تدخل الحكومة بإجراءات دعم ومساندة لهم فى هذا التوقيت بالذات، وتحديدا مع بداية أزمة تواجهها تركيا أحد أكبر المنافسين لنا، بسبب تهور وغرور رئيسها الأرعن رجب طيب أردوغان، والطبيعى أن يقوم الوزير بدوره الآن ويحفز الحكومة على أن تتحرك سريعا وبإجراءات قوية لدعم المستثمرين وشركات السياحة المصرية لاقتناص فرصة السياحة الألمانيا الغاضبة على تركيا، وتمهيد الطريق أمام كل الشركات الراغبة فى العودة إلى مصر وتبحث عن وسيلة دعم وتشجيع.
الأمر يحتاج إلى حركة أسرع من الأداء الحكومى الحالى ومرونة تتناسب مع السوق السياحى العالمى، فإذا كنا نرغب فعلا فى عودة السياحة وزيادتها، فلا بد من عدم الاستسلام للبيروقراطية القاتلة، وأن تكون هناك أيدى قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية دون خوف، فالأمر ليس فقط مجرد فنادق وشواطئ ستمتلئ بالسياح العائدين، وإنما بيوت ستعود إليها الحياة وبطالة ستنخفض وسوق كامل سينتعش، فلماذا هذا التردد الحكومى، رغم وجود الإرادة السياسية الواضحة بدعم هذا القطاع ووجود فرصة عالمية غير مسبوقة تنتظر من يعرف كيف يقتنصها.