المبهر فى شخصية الدكتور محمد البرادعى، عدم إدراكه كصاحب جائزة رفيعة المقام، مثل نوبل، أنه تحول إلى صورة باهتة معبرة عن كل ماهو مائع ومضطرب ومرتبك ومتناقض، والأشد إبهارًا فى شخصية البرادعى أنه لم يدرك بعد تحوله إلى مجرد «إفيه» على يسار معادلة الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر.
دراسة التناقض كسلوك بشرى لا يمكن أن تتم فى عصرنا الحديث إلا بالتعامل مع البرادعى كنموذج محل دراسة وتجربة، فلم يقل الرجل شيئًا إلا وفعل عكسه، ولم يفعل الرجل شيئًا إلا وقال عكسه، ومع ذلك يظل مريدوه على العهد دائمًا فى وصفه بنبراس الأمة وحكيمها الذى يسبقها بعشرات السنين الضوئية فى تدليل جديد على أن التابع والمتبوع هنا مصابون بنفس الداء النفسى.
بفخر نشر البرادعى صورًا له محتضنًا وباسمًا ومتحدثًا ومرحبًا بمجرم حرب إسرائيلى هو إيهود باراك، لو فعلها مسؤول أو دبلوماسى سنقول إن تلك تداعيات مهمته، ولقال البرادعى ومريدوه إن تلك خيانة للقضية الفلسطينية، ولكن البرادعى فعلها دون أن تجبره وظيفته على ذلك، ودون أن يصرخ مريدوه بهتافات التطبيع وخيانة القضية الفلسطينية، وكأن ماهو حرام على الآخرين حلال للبرادعى «بوبهم» الأكبر.
لا تزعجوا مريديه بكلمات المواساة، دعوهم فقط يتأملون أيقونتهم المصنوعة من عجوة وهى تتآكل بفعل جهلها، وسوء تقديرها أو تعمد إهانة شهداء الوطن، أو خيانة تصريحاته السابقة التى خلقها ليداعب بها مشاعرهم قبل أن يفجر لغم كذبها بأفعاله فى مؤتمر ريتشموند للسلام، اتركوهم يكتشفون فساد منطق الرجل الذى كلما أخطأ أحدهم فى القاهرة عايروه بأن «البوب» على مشارف أنهار أوروبا جاهز لإنقاذ مصر، فإذا بهم يجدون «بوبهم» غارقًا فى وحل الجهل منزوع البصيرة يساوى بين المجرم والشهيد، أو مفضوحًا فى محافل دولية محتضنًا إيهود باراك متحدثًا عن أمل فى السلام بالمخالفة لتصريحات سابقة جزم فيها بأن كل مشارك فى مباحثات سلام هو بالضرورة مخادع لشعبه.
منذ عدة أشهر أطلق البرادعى عدة تغريدات وتصريحات، يؤكد فيها أن الحديث عن مباحثات للسلام فى الشرق الأوسط لم يعد بالأمر المفيد والمهم لأن أجواء السلام غير متوفرة، ولأن السياسيين العرب يستغلون قضية السلام هذه لمغازلة شعوبهم، وقال نصًا: «فى تلك الظروف نخدع أنفسنا وشعوبنا إذ نحاول إيهامهم أن هناك إمكانية حاليًا لسلام حقيقى»، الآن نفس البرادعى الذى وصف كل مشارك فى مباحثات سلام بأنه يمارس خدعة يقف مبتسمًا بين أحضان إيهود باراك فى ملتقى ريتشموند متحدثًا عن إمكانية المضى قدمًا فى عملية السلام بالشرق الأوسط، وغرد بنفسه مفاخرًا على «تويتر» بأنه يناقش ذلك مع إيهود باراك ولم نسمع صوت مريديه ساخرين أو منزعجين مثلما سمعناه من قبل فى مواقف مشابهة.
غرد كما شئت يادكتور برادعى، الفرق كبير بين تغريدة الغربان من أمثالك، وتغريدة الصقور من أمثال رجالنا فى سيناء الذين لم تنطق يومًا بدعمهم أو العزاء فى أرواح شهدائهم.