من المعروف أن العلاقات الدولية تحكمها المصلحة، والمصلحة وحدها لا تعرف الحب ولا تكترث للكرة ولا تتعامل أو تقدم خدمة لسواد العيون. فعندما كانت الخدمات متبادلة فى ستينيات القرن الماضى بين مصر والاتحاد السوفيتى كانت العلاقة فى أوج مجدها، وعندما حول السادات الدفة إلى أمريكا بطريقة دراماتيكية لا تستند إلى غير تحقيق المصالح من وجهة نظر السادات حتى لو كانت على حساب دور مصر العربى والإقليمى كانت علاقة تعتمد على تسليم كل الأوراق ليد أمريكا، واستمرت حتى أواخر عهد مبارك، حيث كانت رؤية أوباما تتجه إلى جماعة الإخوان تصورا منه أنهم يصلحون كبديل إسلامى يمكن أن يقود المنطقة على ضوء تزايد المد الأصولى وظهور التنظيمات السياسية الإسلامية، بعد 30 يونيو كانت هناك أوراق كثيرة قد تم حسمها تؤشر وتؤكد أن هناك إرادة مصرية شعبية تعلن عن نفسها باستعادة دور مصر العربى والقومى مرة أخرى فكانت هذه المؤشرات هى الأرضية التى تحرك من خلالها السيسى إلى كثير من الدول شرقاً وغرباً عاقداً صفقات عسكرية واقتصادية إعادة دور مصر العسكرى فى المنظقة وفى باب المندب. جاء ترامب فى الاتجاه المعاكس لأوباما تجاه مصر والسيسى ونظام يونيو. كانت زيارة السيسى لواشنطن فى الأسبوع الأول من هذا الشهر فى ضوء متغيرات كبيرة فى المنطقة بشكل عام الشىء الذى طرح على أجندة الزيارة عدة قضايا رئيسية ومهمة منها العلاقة المصرية الأمريكية والقضية الفلسطينية التى أطلق عليها السيسى أنها قضية القرن، وصولاً إلى تكوين ذلك التحالف المسمى بتحالف دول المحور السنى.
وفيما يخص العلاقة المصرية الأمريكية فإن الزيارة كانت محتشدة بلقاءات مهمة ومهمة ومتعددة فى كل الاتجاهات ومع أغلب الشخصيات النافذة والمؤثرة، وهذا تغير مهم كان لابد منه حتى يتم كسر الطوق الحديدى الذى صنعته إدارة اوباما، كلينتون ضد مصر ونظام يونيو، مع العلم أن القرار الأمريكى أولاً وأخيراً لن يخضع لرؤى ترامب الشخصية ولكن تحكمه المصلحة الأمريكية الاستراتيجية بعيداً عن المجاملات البروتوكولية التقليدية، ولأن أمريكا يعنيها الآن محاربة الإرهاب، حيث أنه قد وصل إلى أقصى مكان فى العالم بلا حدود ودون تحفظات، ولأن مصر تواجه الآن حرباً حقيقية غير تقليدية فى مواجهة الإرهاب ليس فى سيناء فقط ولا على الحدود المصرية، ولكنها حرب نيابة عن كل دول العالم التى تريد التخلص من هذا المرض، فإذا كانت هذه هى نقطة التقاء نريد أن نعرف ما حدود التلاقى وما مجالات المساعدة وما مساحات المشاركة مع إمكانية الاحتفاظ باستقلالية القرار المصرى، كما أن العلاقة مع أمريكا لا يمكن إسقاط أحد أوراقها المهمة وهى إسرائيل وبالتالى دور مصر فى حل المشكلة الفلسطينية، ولأنه لم تصدر حتى الآن اتفاقيات محددة ومعلنة فى كل المجالات هنا لابد من طرح عدة تساؤلات، فهل ستعلن واشنطن أن الإخوان جماعة إرهابية؟ هل ستعود مناورات النجم الساطع مرة أخرى فى إطار تفعيل القدرة العسكرية للسلاح الأمريكى لدى القاهرة؟ هل ستزيد الاستثمارات الأمريكية فى مصر وهل هناك خطة لإحداث توازن ما فى الميزان التجارى؟ هل ستتغير لغة الخطاب الإعلامى الأمريكى الذى يصف يونيو بالانقلاب وهل ستتحول الدفة بعيداً عن ورقة الديموقراطية والحريات التى دائماً ما يتم المتاجرة بها؟ هل ستتوقف أمريكا عن حروب الجيل الرابع والخامس الموجهة إلى المنظقة العربية بأسرها؟ هل يمكن أن تكون الإدارة الأمريكية فى موقف المحايد فيما يخص القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل؟
لا شك أن المشكلة الفلسطينية هى أحد أهم الأوراق فى إطار هذه العلاقة، نظراً لدور مصر التاريخى فى هذه القضية ودور مصر المقدر الذى لن يستطع أحد إسقاطه مع الفصائل الفلسطينية فى الضفة وغزة، وذلك بعد اتفاقية كامب ديفيد إضافة إلى دور الملك عبدالله بعد اتفاقية وأدى عربة الشىء الذى جعل هناك توجها معلنا لإقامة ما يسمى بتحالف القوى السنية بالمنطقة الذى سيتكون من مصر والأردن والسعودية والأمارات. فهل هناك دور معروف ومحدد لإسرائيل فى هذا التحالف؟ وهل لو كان هناك هذا الدور فهل هذا يعنى إعادة إنتاج ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير بشكل آخر؟ وما الحلول المطروحة والقابلة للتطبيق على ضوء إصرار نتنياهو على إنشاء مستوطنة جديدة جنوب نابلس فى الضفة ولأول مرة منذ عشرون عاما، مسقطاً قرار مجلس الأمن 2334 الذى يدين الاستيطان الذى يعتبر تحدياً للمجتمع الدولى الذى صوت بعدم شرعيته، حيث إن الاستيطان يقوض عملية السلام ويقضى على حل الدولتين ذلك الحل الذى يرفضه الإسرائيليون لإصرارهم على إعلان الدولة اليهودية، ناهيك عن موقف ترامب الذى مازال قائماً وبشدة على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أما فيما يخص التحالف السنى فسيكون فى مواجهة من؟ إسرائيل بممارساتها العنصرية والاستيطانية حيث إنها مازالت هى العدو حتى الآن؟ هل سيكون فى مواجهة طهران تأليباً للصراع الطائفى السنى الشيعى الذى يصب فى مصلحة أمريكا والسعودية وهذا من وجهة نظرهم وليس فى صالح المنطقة ولا المسلمين؟ وهل سيكون هذا التحالف طريقاً صحيحاً لخلق موقف عربى موحد من قضايا المنطقة العربية التى لا دور للعرب ولا للمسلمين فيها؟ وهل هناك توافق بين هذه الدول فى القضايا المختلف عليها مثل سوريا وليبيا والتحفظات فى القضية اليمنية؟ حيث قد رأينا ذلك التباين فى المواقف العربية تجاه الضربة الأمريكية لسوريا، حيث كان الاستقطاب سيد الموقف الذى أوضح تباين بل تناقض تلك المواقف تجاه الأمن القومى العربى؟ نعم مصر الآن بالمساندة الشعبية للنظام سوف تستعيد دورها التاريخى الذى لا تملك الفرار منه باعتبارها الأخ الأكبر للعرب، نعم النظام يسعى إلى تحقيق ما هو فى صالح الوطن والمواطن داخلياً وخارجياً، نعم المصالح يمكن أن تتوافق ويمكن أن تتعارض ولكن الأهم هو أن يكون تحقيق المصالح تبادلى وعلى قدم المساواة ودون التنازل عن الثوابت التى تحدد هوية مصر، مصر التى لا تطلب ما ليس لها التى لا تتنازل بالمطلق عن حقوقها. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.