ترى من الذى أعطى مفجر كنيستى «مار مرقس بالإسكندرية ومار جرجس بطنطا» هذا الحق فى إزهاق أرواح الناس بغير حق؟ الله الذى خلق الإنسان وصوره فى أحسن صورة فهل يجوز لأحد أن يهدم بنيان الله الذى بناه بنفسه ونفخ فيه من روحه وأسكنه الأرض واستخلفه فيها وترك حسابهم إليه وحده يوم القيامة؟ وإذا كان الله قد قال لنبيه: «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ» فكيف بمن دونه؟
تفجير الكنائس والمساجد وأماكن العبادة ليس من الإسلام فى شىء، ولم يعرفه الإسلام ولا فقهاء الإسلام قديما.
المتفجرات عمياء لا بصيرة لديها ولا بصر، فهى لا تميز بين الصالح والطالح، والطفل والمرأة، والشاب والرضيع، إنها تحصد جميع الأرواح بلا شفقة ولا رحمة.
المسيح بن مريم رسول من أولى العزم من الرسل من لا يؤمن برسالته من المسلمين لا يعد مسلماً، هذا الرسول الكريم هل سنسعده بقتل أبنائه من النساء والأطفال والرجال، ألا يخاف أمثال هؤلاء من غضب الله وأنبيائه.
إذا كان الإسلام قد أقر غير المسلمين على أديانهم وعقائدهم وكنائسهم ومعابدهم، فكيف يجرؤ متطرف أحمق غادر على تفجير الكنيسة التى أوجب الله على المسلمين حمايتها؟! فلم يأمر الإسلام بحماية ورعاية المساجد فحسب ولكن حماية وحراسة الكنائس، ألم يقل الله تعالى: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً».
والصوامع هى بيوت الرهبان المسيحيين، والبيع هى كنائس المسيحيين، والصلوات هى معابد اليهود ومفردها صلاة، وجعل دفاع المسلمين عنها دفاعا مشروعا عن الدين والأوطان، ونوعاً من الدفاع الشرعى المحمود.
الإسلام الذى أدخل امرأة تصلى وتصوم النار لأنها حبست هرة فلم تطعمها ولم تسقها ولم تتركها تأكل من طعام الأرض، هل يتصور شاب أنه يبيح قتل النساء والأطفال أو يفجرهم فى مكان عبادتهم؟ هل يتصور أحد أن يتناقض الإسلام مع نفسه فيهتم بقطة ويحافظ على حريتها وحياتها ويبيح فى الوقت نفسه لشاب أن يفجر الإنسان الذى كرمه الله وقال عنه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ»؟! أى بنى آدم مكرم ولا يجوز لأحد أن يهينه فضلاً عن أن يقتله.
الظلم ظلمات يوم القيامة، إن وقع مسلم أو مسيحى أو يهودى أو بوذى أو إخوانى أو سلفى أو سنى أو شيعى أو ضابط أو جندى أو مدنى أو عسكرى، أو على أى أحد، الله سبحانه وتعالى يقول: «يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».
الظلم ضعف، والظالم ضعيف وجبان، والعدل قوة، والعادل قوى، والمحسن أقوى من العادل، والحب أقوى من كل المتفجرات، والعفو أقوى من الرصاص والانتقام، والصفح أقوى من الكراهية والسلاح، والسلام والصلح أقوى من الحرب والنزال.
المسيحيون المصريون مسالمون يحبون وطنهم مصر، ويندمجون فيه ويتعاملون مع الجميع معاملة حسنة، لم يطالبوا يوماً بالانفصال، أو إقامة دولة مستقلة مثل وثنيى جنوب السودان، أو أكراد العراق.
لم يكونوا يوماً تنظيماً سرياً، أو ميليشيا مسلحة مثل حزب الكتائب الذى ارتكبت ميلشياته أسوأ مذبحة للفلسطينيين فى العالم العربى «مذبحة صبرا وشاتيلا».
ولم يقابلوا يوماً الإساءة بالإساءة، ولم يقابلوا حرق الكنائس عقب فض رابعة بدعوات الانتقام والثأر والويل والثبور وعظائم الأمور.
الدماء هى الخط الأحمر الذى ينبغى للجميع أن يتوقف عنده، وأعتقد أن هذه الدماء المعصومة التى تسيل كل يوم فى مصر هى سبب الشؤم والخراب والدمار الاقتصادى والاجتماعى والسياسى الذى أصابها، الدم الحرام هو أكبر معصية على الإطلاق بعد الشرك بالله، ولزوال الدنيا أهون على الله من قتل نفس بغير حق.
■ كلما قامت داعش بتفجير ارتفعت وتيرة الهجوم على شيخ الأزهر د.أحمد الطيب، وكأن البعض ينسى أن شيخ الأزهر يقود أعرق مؤسسة علمية سنية فى العالم، وليس أميراً لداعش.
والغريب أن هؤلاء الذين يتطاولون عليه لا يستطيعون فعل ذلك مع أصغر رجل دين من أى ديانة أخرى، ومشكلة الأزهر الحقيقية مع هؤلاء أو مع الذين هاجموا الشيخ من أقطاب حركات الإسلام السياسى، أن هؤلاء وهؤلاء يريدون الأزهر مطية لهم أو عبداً أو خادماً لهم.
والأزهر يتأبى أن يكون خادماً أو تابعاً للحكومة أو لتيارات الإسلام السياسى، الجميع يريد الأزهر أسيراً وتابعاً ذليلاً له، الأزهر لا يريد أن يكون مصادما للحكومة ولا عبداً عندها.
شيخ الأزهر شتمه الإسلام السياسى وجماعاته وأوسعوه سبا، واليوم يشتمه بعض الإعلاميين المحسوبين على الحكومة، وهو فى كلتا الحالتين يلتزم الحلم والصبر والصفح الجميل، ولم ينطق يوماً بكلمة إسفاف أو ابتذال أو ينزل إلى مستوى من يشتمه من الطرفين.
الأزهر سيخدم الإسلام والوطن والدولة، ولن يخدم حكومة أو أخرى تتغير آراؤها من وقت لآخر، ود. أحمد الطيب يزين أى كرسى يجلس عليه ويضيف إليه والكراسى كلها لا تضيف إليه شيئاً، ثم إن الأزهر مؤسسة علمية ليس لها تماس مع الناس مثل الأوقاف التى تملك قرابة سدس مليون مسجد فى كل بقاع مصر، فلماذا الهجوم على د. الطيب باستمرار؟!