قضية الإرهاب متصلة بموضوع جماعة الإخوان الإرهابية، فبدون آلية واستراتيجية واضحة، ومحددة المعالم يجرى التوافق عليها دوليًا لمحاصرة هذه الجماعة، فإن أى جهد دولى لمواجهة الإرهاب والتطرف لن يؤتى ثماره أبدًا.. هذه كانت ولا تزال الرسالة المصرية للإدارة الأمريكية، وللدول الغربية بشكل عام، خاصة تلك التى لاتزال تأخذ موقفًا مترددًا تجاه الجماعة، وتريد التعامل معها باعتبارها فصيلًا سياسيًا، وليس جماعة إرهابية.
فى زيارة الأيام الستة لواشنطن، طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى بوضوح شديد على نظيره الأمريكى دونالد ترامب، ومن التقاهم مِن أعضاء الكونجرس، أو المشاركين فى إدارة «ترامب»، الرؤية المصرية لهذا التنظيم الإرهابى، باعتباره أيضًا المرجعية العقائدية الفكرية لكل التنظيمات المتطرفة فى المنطقة، فمن داخله انسلخ «داعش» و«جبهة النصرة»، وغيرهما من التنظيمات التى لها ارتباط عضوى بالإخوان، كما أنها تتلقى التمويل المالى والدعم الإعلامى من الجهات نفسها التى تموّل الإخوان، وهما دولتا قطر وتركيا.
بالطبع هناك جهد يقوم به حاليًا أعضاء فى الكونجرس لتمرير قانون يدرج الإخوان ضمن المنظمات الإرهابية، وهذا الجهد محل نقاش ودراسة متعمقة داخل الإدارة الأمريكية، ودوائر الكونجرس، ولم تحاول مصر أن تتدخل بشكل مباشر فى هذا الجهد، لأنها تدرك تمامًا أنه فى النهاية شأن أمريكى، فالأمريكيون لهم الحق فى اتخاذ القرار المناسب لتحقيق أمن الولايات المتحدة، لكن هذا لم يمنع مصر من أن تقوم بجهد فى توضيح حقيقة الجماعة الإرهابية للأمريكيين، عبر إمدادهم بالوثائق والأدلة التى تثبت تورطهم بشكل مباشر فى العمليات الإرهابية التى تشهدها مصر حاليًا، وكذلك العمليات الإرهابية فى ليبيا وسوريا والعراق، باعتبار الإخوان المنبع للفكر المتطرف الذى يستقى منه الإرهابيون فتاواهم لتنفيذ عملياتهم الإرهابية.
هناك اقتناع لدى الكثيرين من دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة بأن الإخوان أثبتت بأعمالها الإرهابية أنها خلقت موقفًا واحدًا، هو «الموت والخراب والشر والعداوة والفوضى»، وهو ما قاموا به، كما قال عضو مجلس النواب الأمريكى، رئيس مجموعة أصدقاء مصر فى الكونجرس، دانا روباكر، الذى أكد فى تصريحات له على هامش زيارة الرئيس السيسى: «نحن نعلم أن مصر تحاول قدر استطاعتها بناء دولة ديمقراطية حرة ومجتمع سلام، وليس مجتمعًا يدعم الإرهاب.. نحن الآن نعلم أن جماعة الإخوان الإرهابية هى قوى الشر فى العالم فى الوقت الراهن، والسيسى والمصريون سيساعدوننا على وقف ما ينوون عمله».
ما قاله دانا روباكر يمثل وجهة نظر الكثيرين داخل الكونجرس، ممن زاد اقتناعهم بضرورة محاصرة الجماعة الإرهابية، بعدما شرح لهم الرئيس السيسى الجرائم التى ارتكبتها الجماعة، وما تخطط له لتدمير ليس فقط دول الشرق الأوسط، ولكن أيضًا العالم كله، لأنها لا تزال تحلم بالخلافة التى تسيطر من خلالها على العالم، وهو الخطر الذى استشعره جيدًا الكثير من أعضاء الكونجرس، لذلك فإنه يسود رأى داخل الكونجرس بضرورة التحرك، وعقد جلسات استماع يشارك فيها مصريون ومتابعون للوضع فى مصر، يوضحون خلالها ما فعلته الجماعة الإرهابية فى مصر والعالم.
جزء كبير من أحاديث الرئيس فى واشنطن كانت مركزة على قضية الإرهاب، ووضعية جماعة الإخوان، لكن كان ذكاء من الرئيس أن يلتقى السيناتور تيد كروز، عضو لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ، صاحب الجهد الكبير فى الدفع بقانون إدراج الإخوان جماعة إرهابية، فالرجل يقوم بتحركات نشطة فى هذا الاتجاه، ويتزعم اتجاهًا قويًا داخل الكونجرس لتمرير القانون الذى سبق أن عرقله الديمقراطيون بتحريض من باراك أوباما، وكان من المهم أن يلتقيه الرئيس ليتبادلا النقاش حول الجماعة الإرهابية، خاصة أن «كروز»- وفق ما سمعته من كثيرين- متابع جيد لكل العمليات الإرهابية التى ينفذها أعضاء الإخوان فى مصر، لذلك حرص خلال لقائه مع الرئيس على الإشادة بموقف الرئيس السيسى الحاسمة تجاه الإرهاب، وقيادته للجهود المصرية فى التصدى له بشجاعة، سواء على المستوى العسكرى والأمنى، أو من خلال المواجهة الفكرية والأيديولوجية.
فى مواجهة هذا الجهد المتواصل تبقى نقطة مهمة نبهنا إليها جيمس وولسى، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق، الذى قال إن حظر تنظيم الإخوان يتطلب أولًا أن يتم تثقيف الشعب الأمريكى بشأن نشاطه وطبيعته، ويجب أن يكون أحد هذه الأمور، التى يحتاج الناس إلى فهمها هو ما فى الوثائق الأساسية للإخوان، مثل المواد التى تم العثور عليها فى محاكمة مؤسسة «الأرض المقدسة» فى ولاية تكساس، ومناقشات قيادة الإخوان حول الجهاد، حتى يفهم الأمريكيون خطر وجود الجماعة قبل أن يتخذ ممثلوهم المنتخبون فى الكونجرس قرارًا حول كيفية التعامل مع الإخوان.
وفى الاتجاه نفسه يسير إيلى جولد، نائب رئيس مركز لندن للأبحاث، الذى يعد من الأطراف الأمريكية الأكثر تشددًا تجاه «الإخوان»، باعتبارها أكبر تهديد للعالم، فهو يقر بأن المواجهة تحتاج إلى تفكير وجهد مضاعف، خاصة أن إدارة أوباما السابقة ارتأت دعم الإخوان لتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط، وهو ما أعطى انطباعًا لدى الأمريكيين عن الجماعة نحن فى حاجة إلى تغييره، لذلك وقف «أوباما» حائلًا أمام أى تحرك ضد الإخوان فى المؤسسات الأمريكية، بل إنه عمل على احتضان الكثير من قيادات الجماعة، واستضافتهم فى الخارجية الأمريكية، والمؤسسات البحثية التى تتحرك بإشارة من البيت الأبيض.
لكن «أوباما» ذهب، وأمامنا الآن رئيس جديد هو دونالد ترامب، الذى يقول دائمًا إن جماعة الإخوان هى تنظيم إرهابى، وينبغى تصنيفها على هذا النحو، لكن فى الوقت نفسه علينا إدراك حقيقة مهمة، هى أن المسألة تحتاج إلى تحرك محسوب ومتواصل تحديدًا داخل الكونجرس، لوجود نواب لا يؤيدون هذا الرأى، وأن الأمر ربما يحتاج لفترة قد تصل إلى عامين، لكى نصل إلى الهدف، وهو حظر الجماعة الإرهابية.
تبقى نقطة وحيدة فى ملف الإخوان، تتعلق بعناصر الجماعة الموجودين حاليًا فى الولايات المتحدة، فقد وصلوا إلى مرحلة من اليأس دفعتهم إلى إظهار حقيقتهم، فلا هم مسلمون، ولا مدافعون عن القيم الإسلامية كما يزعمون، وإلا ما ظهر أفراد منهم فى شوارع نيويورك وواشنطن متفوهين بأقذر الألفاظ، التى تنم عن الحالة التى وصلت إليها الجماعة.