لا شك أن العمليات الإرهابية المتصاعدة، التى تأخذ أشكال الذبح والقتل والحرق والتفخيخ بالأحزمة الناسفة، هى إحدى صور الإرهاب ورفض الآخر، وإن كانت هذه الصور قد أخذت أعلى المستويات فى ذلك الرفض. حيث إن هذه الممارسات وتلك الصور قد سبقتها ومهدت لها عدة ممارسات متعددة على أصعدة مختلفة، فهناك رفض الآخر السياسى والقبلى والاجتماعى والطبقى والاقتصادى، وبالطبع الآخر الدينى وهذه الصور وتلك الممارسات تتكامل وتؤثر كل منها فى الآخر. ولذا لا أحد يستطيع الجزم بأن هذا الرفض للآخر يكون بسبب الفكر الدينى الخاطئ وحسب، وإن كان هذا العامل هو من أهم المؤثرات فى تشكيل الفكر الذى يولد ممارسات عملية على أرض الواقع لما للدين، أى دين، من تأثير مباشر وخطير. لهذا لابد من تكامل المواجهة والتأسيس لقبول الآخر بتنقية وتطوير وتصحيح الأفكار والخطابات الدينية والإعلامية والتعليمية والثقافية والاجتماعية.
يأتى على رأس كل هذا وقبل كل ذلك تطبيق القانون على الجميع بلا مواربة ولا استثناء، حيث لا تصحيح للخطابات ولا تقويم لفكر وتأسيس لدولة ديمقراطية ولا تحقيق لمواطنه بدون القانون، فبتطبيق القانون وتصحيح كل الخطابات نكون قد بدأنا رحلة الألف ميل حتى لا نصل إلى تلك الصور الإرهابية التى أصبحت تجتاح العالم الآن. ويأتى هنا فى هذا السياق الأحداث والحوادث التى تمت وتكررت وتتكرر فى قرية كوم اللوفى بمحافظة المنيا، فبداية هذه الأحداث كانت فى شهر يونيو 2016 والتى بدأت برفض جماعة السلفيين فى القرية لبناء كنيسة عن طريق تحويل منزل أحد المسيحيين للصلاة فيها، حيث لا يوجد كنيسة بالقرية أو بالقرى القريبة، وتطور الأمر إلى حد المواجهة بالأسلحة وحرق المنازل والمتاجر وصولًا لغيرها من الأحداث كتعرية السيدة المسنة. تلك الواقعة التى هزت الوجدان المصرى بمسلميه قبل مسيحييه ذلك لأن الواقعة قد تعدت كل التراث الموروث وتخطت حدود الهوية المصرية الجامعة التى تحافظ على القيم وتحترم الأخلاقيات وتراعى الحرمات.
وكالعادة وجدنا ما يسمى بجلسات الصلح العرفية التى صاحبها إعلان شروط على رؤوس الأشهاد من هؤلاء السلفيين حول موافقتهم على بناء الكنيسة، أى أن هذه الشروط هى شروطهم ولا علاقة لها بقانون ولا دستور ولا حقوق ولا مواطنة ولا قيم عليا للإسلام ولا بفقه الواقع من بعيد أو قريب، والشروط هى أن تكون الكنيسة فى المكان الذى يحدده هؤلاء الأوصياء على البشر وأن تكون دورًا واحدًا وألا يكون هناك منارة ولا صليب ولا تدق أجراس ولا يكتب عليها اسم القرية.
الغريب والأغرب أنه بعد حادثة التعرية التى هزت الجميع بما فيهم رئيس الدولة تم عقد جلسة عرفية مع هؤلاء المتشددين لمحاولة استرضائهم وإقناعهم بالموافقة على بناء الكنيسة، ولكن تم الرفض وتم الخضوع والخنوع لرغبتهم هذا الشىء الذى أثار الرأى العام المصرى والذى أنتج تشريع ما يسمى بقانون بناء الكنائس.
وجرت فى النهر مياه كثيرة وحوادث طائفية كثيرة منها حادثة تفجير الكنيسة البطرسية فى 11/12/2016، وتهجير الأقباط فى العريش كنوع من الضغط على النظام ثم كانت تلك التهديدات من داعش بمزيد من هذه الحوادث ضد الأقباط وكنائسهم، فكانت أحداث طنطا والإسكندرية فى 9/4/2017 وفى ظل هذه الأحداث كان من الطبيعى أن يوافق الأمن لأهالى قرية كوم اللوفى للأقباط بالصلاة، يوم خميس العهد 13/4/2017 فى ذلك المنزل الذى يقومون فيه بالصلاة.
وفى أثناء زيارة السيسى للبابا فى نفس التوقيت لتقديم ما يسمى بالعزاء للبابا «مع العلم العزاء يقدم للرئيس وليس للبابا فالمصريون جميعًا تابعين للدولة وليس للأزهر ولا للكنيسة»، فقام نفس الأشخاص ومن نفس الأرضية الفكرية وبنفس الطريقة وبذات السيناريو بالهجوم والاعتداء على المسيحيين الذين كانوا يصلون بإذن من الأمن. نعم الاعتداء تم رغم وجود إذن الأمن وبالطبع لابد أن يكون الأمن قد وضع فى حساباته الأمنية الاحتياط لهذا الهجوم بعد أيام من أحداث طنطا والإسكندرية. حدث الاعتداء بعد تشريع قانون بناء الكنائس.
والغريب، وما أكثر ما نعيش من غرائب، وبعد هذا الاعتداء وفى هذه الظروف والأحداث ذات التأثير العالمى قد وجدنا نفس الجماعة تصدر بيانًا موقع من ثلاثة أشخاص بالاسم يعيدون فيه ذات الشروط لبناء الكنيسة ويدعون علم الأجهزة الأمنية والمحافظ بهذا البيان الذى تم توزيعه فى القرية، نعم كذب المحافظ علمه والأجهزة بهذا الاتفاق، ولكن هل هذه الممارسات هى بالفعل ضد الأقباط فقط؟ أم هى موجهة لكل المصريين بكل دياناتهم بل موجهة إلى النظام وإلى الدولة المصرية ذاتها؟ وكيف نجد من يتحدى دولة ويسقط القانون ويستهين بالدستور؟
القضية ليست بناء كنيسة. فدائمًا أقول إن القانون وحده لا يحل المشاكل الطائفية والقانون بمفرده لا يبنى كنائس، ولكن بالعلاقات والمشاركة ودور العقلاء. ولا تكون هناك تلك المشاركة والمعايشة مع وكيل وزارة الأوقاف الذى يبرر تلك الأفعال أو مع عمدة القرية الذى تدلس على تعرية السيدة. أو يمكن هذه الأحداث مع وجود ما يسمى ببيت العائلة ذلك الوجود الشكلى الديكورى الذى لا علاقة له بأى مسؤولية حقيقية فبيت العائلة هذا يجب أن يكون وقاية قبل وجود المرض الذى لا يملك ولا يستطيع معالجته، بيت العائلة يسبق الأحداث ولا يجاريها. بيت العائلة يؤمن إيمانًا حقيقًا بالتوحد المصرى وبالتعددية التى أرادها الله. بيت العائلة لا يجب أن يكون مبرراتى ومكان للمنظرة الإعلامية لمسلمين ومسيحيين يملأ قلوبهم وأفكارهم الطائفية.
مصر ملك المصريين ومصر أهم من الجميع والقانون فوق الجميع وقبول الآخر حكمة سماوية ومقاصد دينية وفريضة وطنية. فيقول الأب متى المسكين فى كتاب محبة الله «عليا أن أكرم كل إنسان وأكرم دينه فإن كان دين أخى وعقيدته مختلفة عن دينى وعقيدتى فهذا يختص به شخصيًا أما أنا فعلى أن أكرمه مهما اختلف عنى حتى فى مبادئه السياسية أو الدينية» حفظ الله مصر وكل المصريين.