ترك صلاح حافظ دراسة الطب لينشغل بالصحافة، فأصبح صحفيًا من طراز فريد فى تاريخ الصحافة المصرية، له تلاميذه المميزون، وله إبداعاته المتفردة، ومن بين هذه الإبداعات كتابه الرائع «التاريخ الجنسى للإنسان»، الصادر قبل أيام ضمن سلسلة «الكتاب الذهبى- روز اليوسف»، وهى السلسلة التى يترأس تحريرها الزميل أسامة سلامة.
أهمية إصدار هذا الكتاب فى هذا التوقيت ليس فى موضوعه فقط، إنما فى أنه يؤكد قيمة ما يفعله «الكتاب الذهبى» بتوثيق إنتاج كبار الصحفيين فى تاريخنا، أو إعادة نشر مؤلفات لهم سبق نشرها، كما فعلت مع مقالات السيدة روز اليوسف، ومقالات أحمد بهاء الدين، ويؤدى هذا النهج إلى تصدير هؤلاء العظام لأجيال ولدت بعدهم بسنوات طويلة.
صلاح حافظ، حسبما يذكر الدكتور محمد أبوالغار فى المقدمة التى كتبها للإصدار الجديد من «التاريخ الجنسى للإنسان»، كان طالبًا فى قصر العينى عام 1948، وكان مهتمًا بالهم الوطنى، ضمن مجموعة من الطلبة الذين دفعهم حبهم للوطن إلى الانصهار فى التجربة السياسية، وذلك عن طريق تنظيم سياسى يسارى، هو الحركة الديمقراطية للتحرير الوطنى «حدتو»، وكان زميلًا ليوسف إدريس، ومحمد يسرى أحمد، ومصطفى محمود، وكلهم بدأوا بكتابة القصة القصيرة، ثم ترك «يسرى» مصر وعاش فى السودان يزاول مهنة الطب، وكذلك مصطفى محمود الذى كانت له نزعة وجودية تحولت إلى دينية فيما بعد، وكتب «حافظ» عددًا من القصص القصيرة نشر بعضها، ولم ينشر معظمها، وبعد فترة ترك الجميع القصة القصيرة، واستمر رائدها الأعظم يوسف إدريس.
وعن بداياته الصحفية، يقول فى مقال له «روز اليوسف وأنا»: «شاءت الصحافة أن ألتحق بروز اليوسف، وقد تولاها شاب يريد أن يثبت جدارته، وشاءت الصدفة أن يكون الرئيس الجديد، إحسان عبدالقدوس، أديبًا يتقمص دور الصحفى، ويعيد صياغة كل سطر فى المجلة لا يروق له أسلوبه، فكان أول ما طلب منه- لكى يختبر أسلوبى- أن أعيد تحقيقًا قصيرًا عن احتفال أقيم فى الإسكندرية لانتخاب ملكة جمال مصر، فلم أتردد فى أن أجعل من هذه المفارقة محور الموضوع كله، وأن أحول القصة من خبر إلى نكتة، ولم يكن ذلك بقصد منى، وإنما شاءت الصدفة أن أكون طوال عمرى مولعًا بالمفارقات، وأن يتأثر أسلوبى فى الكتابة دائمًا بطبيعة الموضوع».
أعجب إحسان بصياغة صلاح حافظ لموضوع «انتخاب ملكة جمال مصر»، فقرر أن يوكل إليه صياغة بعض الموضوعات الصحفية، وكان ذلك هو البدء له فى الصعود إلى أن يكون كاتبًا متفردًا من خلال بابه الأسبوعى «انتصار الحياة» على صفحات «روزا»، وصنع هذا الباب شهرته، ويقول عنها وعنه: «تكاد لا توجد صحيفة فى مصر لم أعمل بها بعض الوقت، ولا يكاد يوجد فن من فنون الكتابة لم أعالجه، ومع هذا يأبى معظم الذين قرأوا لى إلا أن ينسبونى إلى عمل واحد، هو مجموعة المقالات التى نشرتها فى مجلة «روز اليوسف» بعنوان «انتصار الحياة»، وما أكاد أقدم نفسى أو يقدمنى غيرى إلى أحد من القراء حتى يصيح: «صلاح مين بتاع انتصار الحياة»، وأرد بغاية الأدب: يا سيدى أنا بتاع أشياء كثيرة، أنا عالجت الشعر والقصة والراوية والنقد والسياسة والترجمة والتحقيقات الصحفية، وجربت نفسى فى الفكاهة وقصص الأطفال وسيناريوهات السينما، وكتبت عددًا لا بأس به من المنشورات السرية، ألم تقرأ شيئًا من ذلك كله، فيجيب باستنكار شديد: عيب يا أستاذ، أنا لم يفتنى سطر واحد مما كتبت، فى انتصار الحياة».
هكذا يكتب صلاح حافظ عن بداياته الصحفية.. تلك البدايات التى تقودنا إلى كتابه «التاريخ الجنسى للإنسان».
وغدًا نتابع.