نحن أمام دراسة فريدة ومتفردة فى علم النفس، نالت الأسبوع الماضى امتيازًا مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة المنيا، دراسة يمكنها حل مشكلات كثيرة فى قياس ورؤية علاقة الشخصيات القيادية بالوظائف العامة، أو حتى بالتنبؤ بآليات، وسبل تطور الشخصية الإنسانية من خلال ممارستها عاداتها الاجتماعية، تلك الدراسة قال عنها الأستاذ الدكتور فى علم النفس، العميد السابق لآداب عين شمس، محمد سيد خليل، إن بإمكانها التنبؤ بسلوك الشخصية، من خلال رصد بديهيات، مثل طريقة الأكل والشرب، أو معتقدات تلك الشخصية بالقضاء والقدر والحظ مثلًا، وكيفية تدين تلك الشخصية، وأشار مثلًا إلى أنه لو تقدم «عريس» لـ«عروسة»، يمكن معرفة يصلح أو لا يصلح، عن طريق رؤية الشخصية، وممارستها تلك البديهيات المألوفة.
وأضاف الأستاذ الدكتور أحمد خيرى حافظ أننا أمام دراسة مهمة مهما كانت لنا ملاحظات شكلية، مثل معمار الدراسة، وطريقة كتابتها، ورأى أن هناك إمكانية للاستفادة من تلك الدراسة، لاختبار الشخصية قبل اختيارها لأداء وظائف محددة.
بدعوة كريمة من الدكتور بركات حمزة حسن، أستاذ ورئيس قسم علم النفس بكلية الآداب، جامعة المنيا، شرفت بحضور مناقشة رسالة الدكتوراة للباحثة منار شوقى سليمان، التى يشرف عليها د. بركات، ولجنة التحكيم مكونة من د. محمد سيد خليل، العميد السابق لآداب عين شمس، ود. أحمد خيرى حافظ، أستاذ علم النفس بآداب عين شمس أيضًا، وعلى مدى ثلاث ساعات اتسعت قاعة الاجتماعات بجامعة المنيا بفيض من العلم والمعرفة.. ثلاث ساعات فى حضرة علماء علم نفس متفردين، جاد بهم الوطن، يمتلكون خبرات تؤكد تميز مدرسة علم النفس المصرية، والدور الرائد لجامعة عين شمس فى مجال علم النفس. تعلمت كثيرًا من الأساتذة محمد سيد خليل، وأحمد خيرى، وبركات حمزة، حيث إن البحث من البحوث العربية الرائدة التى تقدم كيفية التنبؤ بالسلوك الاجتماعى للشخصية، عن طريق قياس البديهيات، ودراسة السلوك بجميع أشكاله، حيث إن السلوك لا ينشأ من فراغ، وهو ليس رد فعل لأى إثارة، بل تلعب أساليب معاملة الأبوين، وأحداث الطفولة، ثم منظومة القيم والمعتقدات، أهم المحددات الرئيسية للسلوك. وطرح البحث سؤالًا: هل يتفق المعتقد «مسلم، مسيحى، يهودى» مع السلوك؟، وهل يتأثر اعتناق معتقد معين بسمة من سمات الشخصية؟، وهل تختلف الجماعات المتباينة جغرافيًا «صعيدى، بحراوى، سيناوى، سكندرى، إلخ» فى الشخصية، أو المعتقد، أو السلوك الاجتماعى؟
وهل تتأثر الشخصية بكل هذه المتغيرات، أو تتسق أو تتباين باختلاف العمر أو النوع أو التعليم؟
توقفت الباحثة منار شوقى أمام مفاهيم الدراسة، مثل:
- مفهوم الشخصية: وأشارت إلى أنها نمط سلوكى مركب وثابت إلى حد كبير، يميز الفرد عن غيره، ويتكون من مجموعة من الوظائف والسمات والأجهزة المتفاعلة معًا، والتى تضم القدرات العقلية، والوجدان، وتركيب الجسم، والوظائف الفسيولوجية، كل ذلك يحدد أسلوب الفرد فى التوافق مع البيئة المحيطة به.
- البديهيات الاجتماعية: وهى المعتقدات الاجتماعية العامة، ويسلم الفرد بها دون جدل، مثل القضاء والقدر، والحظ.. إلخ.
افترضت منار شوقى أن هناك علاقة ارتباطية بين البديهيات الاجتماعية وسمات الشخصية، كما أن الفروق فى السلوك لا تخضع للمتغيرات الديموجرافية «السن، والنوع، والتعليم، ومحل الميلاد».
وانتهت الدراسة إلى النتائج الآتية:
- أن هناك تطابقًا بين التدين وسلوك الشخصية بالسلب والإيجاب، وبين المعتقد الاجتماعى وسمات، مثل المرونة والتسامح، بل هناك علاقة سلبية بين إيمان الشخصية بالقضاء والقدر، والإحساس بالواجب.
- أن هناك علاقة بين المساءلة والجزاء، والإحساس بالواجب، والاعتماد على الذات، وارتباط ذلك كله مع السلوك العدوانى للشخصية.
الباحثة منار شوقى سليمان هى ابنة قرية اسمها نزلة عبيد، شرق النيل بالمنيا، تبعد كيلومترات قليلة عن زاوية محمد سلطان، قرية السيدة العظيمة هدى شعراوى، ولا تبعد كثيرًا عن قرية دير السيدة العذراء بجبل الطير، ومسار العائلة المقدسة، هناك فى تلك القرى المنسية الأسماء على طول الشط، آلاف من الشخصيات المتميزة، الذين لم يلفتوا أنظار أصحاب الياقات البيضاء فى القاهرة.. هذه السيدة العبقرية منار شوقى لفتت نظر معلم وعالم ومربٍّ فاضل، هو الدكتور بركات حمزة حسن، فتلمذها وأحسن تعليمها، وفكر معها، وأخرج منها هذه الفكرة.
نحن أيضًا أمام أول دراسة تهتم بعلاقة التدين والسلوك الاجتماعى، ونستطيع من خلالها أن نعرف مكونات ومحددات العلاقة بين العنف والتدين الشكلى، بنفس القدر الذى نكتشف به السمات الإيجابية، مثل السماحة والتسامح والتدين، والأهم أن الدراسة فى جامعة المنيا، التى يكيلون لها الاتهامات بأنها «إمارة الإرهاب»، فإذا بها إمارة للعلم والمعرفة، «مشتل» للتفوق والتفرد، لأنها أنجبت الشيخين على ومصطفى عبدالرازق، ود. طه حسين، ود. لويس عوض، وعمار الشريعى.
نحن أمام دراسة تستحق إلقاء الضوء عليها، وطبعًا ترويجها، وباحثة يجب استكمال احتضانها لتكمل مشوارها الأكاديمى مدرسة بالجامعة، لتعيد إنتاج مكملات الدراسة، وتستمر مع أستاذها بركات حمزة على طريق إثبات أن المنيا تستعيد وجهها العلمى رغم كل شىء، وتكون باكورة الدراسات التى نستطيع بها إدراك كيفية تحول الشخصية من التسامح إلى العنف والإرهاب، ومن ثم مساعدة الجهات الأخرى التى تكافح الإرهاب أمنيًا.