انتهت الادعاءات الزائفة.. وسقطت الأقنعة.. لقد هدّد وزير الدفاع الإيرانى علناً بتدمير السعودية ما عدا مكة المكرمة والمدينة المنورة فى حال قامت المملكة بـ"تصرف ينم عن جهل".. هل يمكن الوقوع على كلام أكثر جهلاً وحماقة من هذا التصريح؟ فتهديد السعودية يعنى وضع جميع دول مجلس التعاون الخليجى، وكذلك العالم العربى والإسلامى بأسره، فى حالة تأهب.
لا بد من أنه الرجل الأكثر غباءً على وجه الكرة الأرضية ليستخف بالقوة العسكرية والاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجى ويتخيّل أنهم سيقفون مكتوفى الأيدى فيما يوضَع ذلك السيناريو قيد التنفيذ.. ستكون طهران المدينة الأولى التى ستتم إبادتها بعد إطلاقها الصاروخ الأول أو إلقائها القنبلة الأولى.
ليس الأئمة والحرس الثورى الإيرانى سوى مجرد أقزام يعبثون مع مارد إقليمى ملوّحين ببعض الأسلحة الأكثر تطوراً التى عرفها تاريخ البشرية.. لا بد من أنهم يحبون الانتحار، وإلا كيف نفسّر التحذيرات التى يوجهونها بهذه الطريقة المبتذلة إلى دولة قوية ومستقرة مثل السعودية؟
قد يُخيَّل إلينا أنه لدى طهران ما يكفى من المتاعب على المستوى الداخلى، وأنه لا حاجة بها إلى تحريك وكر دبابير دولى. يعانى الإيرانيون من الركود الاقتصادى لأن ثروة البلاد تُنفَق على الأسلحة والتنظيمات الإرهابية التى تقاتل بالوكالة عن إيران.
تولّد انتهاكات حقوق الإنسان، وقمع الأقليات، وثقافة المخدرات الفتاكة أجواء قاتمة تقتل الكرامة البشرية، وتقضى على حرية التعبير والآمال بحياة أفضل.. تفضّل إيران تبنّى الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية فى لبنان والعراق من أجل تحقيق أطماعها التوسّعية والأيديولوجية بدلاً من العمل على تحقيق تطلعات مواطنيها وتحسين أوضاعهم.
نحن مسئولون إلى درجة معينة عن هذا الوضع الذى لا يُطاق.. نعيش نحن العرب حالة نكران منذ وقت طويل جداً، لقد تغاضينا عن الاستفزازات الكلامية الإيرانية معتبرين أنها مجرد خطاب نارى للاستهلاك المحلى.
حتى فيما كانت إيران تُطبِق مخالبها على لبنان وسوريا والعراق، سمحنا للملالى بأن يصدّقوا أنهم أقوياء بما فيه الكفاية لتهديدنا من دون محاسبتهم على ذلك، كان علينا أن نقطع كل العلاقات الدبلوماسية، ونلغى الاتفاقات التجارية والاجتماعات الثنائية قبل سنوات خلت.
على إدارة أوباما وشركائها فى مجموعة "خمسة زائد واحد" أن يتحملوا أيضاً حصتهم من المسئولية لأنهم تفاوضوا مع إيران على اتفاق نووى ضيق الآفاق من دون أن يشترطوا عليها وقف أنشطتها العدوانية فى المنطقة.
لقد رُوِّعتُ لدى مشاهدة الرئيس الإيرانى حسن روحانى يسير على السجاد الأحمر مستمتعاً بحفلات الاستقبال التى أقيمت على شرفه فى أوروبا، فى حين كان "حزب الله" اللبنانى، الذى هو أداة فى يد طهران، يقتل السوريين، وكانت إيران ترسل أسلحتها إلى القتلة الحوثيين فى اليمن.
فى المقابل، نبّه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إيران إلى أن "هناك رئيساً جديداً فى الولايات المتحدة"، متعهّداً بأنه لن "يقف مكتوف الأيدى" فيما تسعى طهران خلف تحقيق أطماعها العسكرية، وقد كتب فى إحدى تغريداته: "إيران تلعب بالنار، لا يقدّرون كم كان الرئيس السابق باراك أوباما لطيفاً معهم، أنا لست كذلك!".
إنه أمر جيد أن الرئيس الأمريكى الجديد أعطى الأولوية للمملكة العربية السعودية جاعلاً منها محطته الأولى فى جولته الرئاسية فى الخارج، سوف نرى إذا كان سيقرن القول بالفعل وينفّذ ما قاله رداً على التحذير الإيراني.
أشعر بأسى عميق على الشعب الإيرانى، كانوا يتنقّلون فى العالم مثل الملوك، إلى أن وقعت ثورة 1979 التى اختطفها المرشد الأعلى السابق الشيطانى روح الله الخمينى بمساعدة من أجهزة الاستخبارات الغربية، على الرغم من وقوع بعض الخلافات، تمتّع مواطنو دول الخليج بعلاقات وطيدة مع الإيرانيين على امتداد عقود خلال حكم الشاه.
الإيرانيون شعب طيّب ومسالم، لكنهم يخشون رفع الصوت فى وجه ظالميهم ومضطهديهم لأنهم يعيشون فى الخوف. مَن تحلّوا بالشجاعة للوقوف فى وجه حكومتهم القمعية زُجّوا فى السجون أو تعرضوا للتعذيب أو كان مصيرهم الإعدام شنقاً، بعد ظهور الحركة الخضراء عام 2009 عندما نزل مئات الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً على تزوير الانتخابات، اعتُقِل أكثر من عشرة آلاف متظاهر، ولقى ما يزيد عن مئة مصرعهم.
كتب إلى لايك تحت عنوان "لماذا ترك أوباما الثورة الخضراء فى إيران تفشل"، عبر موقع "بلومبرج": "ألغى أوباما البرامج الأمريكية لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وبعث رسائل شخصية إلى المرشد الأعلى الإيرانى آية الله على خامنئى لطمأنته إلى أن الولايات المتحدة لا تحاول الإطاحة به، وشدّد أوباما مراراً وتكراراً على احترامه للنظام فى تصريحاته لمناسبة عيد النوروز السنوى فى إيران".
أعتقد أنه من شأن غالبية الإيرانيين أن ترحّب بالحصول على مساعدة عربية ودولية من أجل التخلص من نظام أوتوقراطى يتوغل فى مختلف جوانب حياتهم، ويترك الملايين فى قبضة الفقر المدقع.
بعدما أعلنت إيران عداءها لنا على الملأ بعبارات واضحة لا لبس فيها، علينا أن نبادر إلى التصرف بحزم ومن دون تردد. لقد ولّى زمن العيش فى الأوهام، يسرّنى أن ولى ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، يدرك تماماً ما هو على المحك، فقد قال مؤخراً: "لن ننتظر حتى تصبح المعركة فى السعودية، بل نعمل على أن تكون المعركة لديهم فى إيران".
لطالما حذرت منذ سنوات طويلة من الهدف الذى يسعى إليه الملالى وهو السيطرة على المدن المقدسة فى الإسلام، وقد صدّقتُ الكلام الذى تفوّه به مسئولون إيرانيون فى السابق عندما قالوا إنهم سيعيدون بناء الإمبراطورية الفارسية.
لم يساورنى الشك للحظة واحدة بأن على سعيدى، ممثل خامنئى لدى الحرس الثورى، قصد كلامه فعلاً عندما قال للقادة العسكريين إن مجىء الإمام الثانى عشر لا يمكن أن يتحقق إلا إذا أدّت إيران دوراً أساسياً فى إحداث تغييرات إقليمية كبرى.
يحاول هذا النظام الذى يعود إلى القرون الوسطى أن يقدّم نفسه للمجتمع الدولى فى صورة النظام العقلانى، فى حين أن جوهر عقيدته متشدّد ومروع.
يدرك وزير الخارجية الإيطالى السابق جيوليو ترزى ذلك جيداً، فخلال اجتماع مع رئيس لجنة الشئون الخارجية فى "المجلس الوطنى للمقاومة الإيرانية"، اعتبر ترزى أنه بغض النظر عن هوية المرشح الفائز فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ستبقى السياسات الإيرانية "مدفوعة برؤية متشددة عن السيطرة فى المنطقة بأسرها وخارجها".
أتطلّع بفارغ الصبر إلى اليوم الذى سينفجر فيه هذا النظام السام من الداخل، فى الانتظار، يجب دعم المعارضة الإيرانية بمختلف أطيافها بدءاً بالمعارضين الفرس وصولاً إلى أبناء الأقليات المسحوقة مثل الأحوازيين والبلوشيين والمسيحيين واليهود والبهائيين والزرادشتيين وسواهم، وتمويلهم وتسليحهم كى يطهّروا أراضيهم من التخلف والبدائية.. أدعو إلى الله تعالى كى يعمل الإيرانيون على فتح نافذة على القرن الحادى والعشرين وإبعاد شبح النزاع المدمر عن منطقتنا.. معاً يمكننا أن ننتصر بمعونة الله عز وجل.