زمان كانت البرامج الدينية فى الراديو والتليفزيون محببة إلى عموم الناس، بل كانت العائلات تجتمع فى أوقات بث بعض البرامج لمشاهدتها والتعلم منها دون غلو أو تطرف، كما كانت الأسر تجتمع فى مواعيد محددة حول الراديو للاستماع إلى مشاهير القراء يتلون آيات القرآن الكريم، فكان يوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد مثلًا يومًا مشهودًا يترك غلالة من الخشوع والإيمان والمحبة والتسامح فى قلوب مستمعيه.
أما اليوم، فقد ارتبطت معظم البرامج الدينية ارتباطًا شرطيًا بالمرحلة المنحطة التى نواجهها، فمثلما تنتشر أفلام البلطجة والعنف وسلوكيات الهرتلة والفهلوة والهبش والأعراف السرية للفساد والفاسدين، تنتشر أيضًا برامج الإثارة الدينية والفتاوى الشاذة والغلو فى التعاطى مع تفسير الآيات القرآنية، وعلينا أن نسأل أنفسنا، إذا كنا نواجه الفساد وآلياته بحسم وندين الأفلام والوسائط الإعلامية التى تنشر ثقافة البلطجة، فلماذا لا نواجه برامج الإثارة الدينية ومشايخ اللحظة الراهنة ومعظمهم أبناء شرعيون للعصر الاستهلاكى باحثون عن شهرة ومال وسلطة رمزية من خلال برامجهم المدمرة.
تجديد الخطاب الدنيوى يبدأ وينتهى بتحقيق سيادة القانون والحفاظ على استقرار المجتمع من كل ما يكدر أو يؤثر على هذا الاستقرار، لكن الدولة غارقة فى صمت رهيب يصل إلى درجة العجز فى مواجهة صناع مناخ الكراهية، وتقسيم المجتمع ونشر وباء التطرف والغلو واستقطاب الشباب فى جماعات إرهابية تحت الطلب.
الدولة وأجهزتها تعمل أذنًا من طين وأخرى من عجين أمام ممارسات السلفيين المتطرفين والإخوان المتطرفين والأزهريين المتطرفين، الذين ينحرون فى بدن المجتمع المصرى، بينما ترفع المؤسسات الدينية الرسمية شعار تجديد الخطاب الدينى وتصمت كأنها أدت ما عليها من واجبات بينما يأكل السوس جوانبها.
قل لى بالله عليك، لماذا لا يحاكم أصحاب الفتاوى الشاذة والمدمرة بتهمة إثارة الفتنة والحض على الكراهية والتطرف، وإثارة الانقسام بين فئات المجتمع وإهانة الأقباط شركاء الوطن، رغم البلاغات العديدة المقدمة ضدهم، ورغم تعمدهم إثارة الفتنة وبث الكراهية من خلال فتاويهم المسمومة.
أقولها صراحة إن فتاوى ياسر برهامى وسامح عبد الحميد وعبد المنعم الشحات وأحمد حطيبة ومحمد إسماعيل المقدم وسعيد عبد العظيم وأشباههم من الغلاظ أدعياء العلم والحضارة والمدنية، هى أحد الأسباب الرئيسية للكوارث التى نعيشها، ولن تنصلح أحوال البلاد إلا إذا تم الضرب على أيديهم ومنع صفحاتهم ومواقعهم ومصادرة مقراتهم ومحاكمتهم بتهمة تكدير السلم والأمن، فالفتاوى الشاذة فى أيامنا أشبه بإعلان الحرب على المجتمع، وبمثل هذه الفتاوى سافر الشباب إلى أفغانستان وسوريا وعادوا مجرمين يقتلون الناس.