مع تقديم واجب العزاء لبريطانيا، نذكّر بأنها الدولة رقم واحد راعية الإرهاب فى أوروبا، وفتحت الأبواب على مصراعيها لاحتضان زعماء الإرهاب، ومنحهم الحماية والإقامة وأحيانا الجنسية، ظنا منها أن سياسة الاحتواء تجعلهم عصا فى يدها، تخيف بها من تشاء من الدول، وتجعلهم عملاء تحت الطلب، ينفذون أوامرها ويسبحون بطاعتها، ومن هذا المنطلق رفضت تسليم بعض الإرهابيين لدولهم، لمحاكمتهم إزاء جرائم إرهابية ارتكبوها، وحالت دون صدور قرارات حاسمة باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وفتحت لهم المجال لممارسة أنشطة سياسية ودينية، تتعارض مع اشتراطات حق اللجوء السياسى.
ربما تستيقظ الحكومة البريطانية على دوى انفجارات قاعة احتفالات مانشستر فجر الثلاثاء الماضى، فتدرك أنه لا أمان للذئاب المتوحشة، وأن الدم هو مصير الرقص مع الإرهاب، وأن جرائمه ليست شأنا داخليا لدول الشرق الأوسط، بسبب غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان كما تدعى، ففى بلدهم قلعة الديمقراطية وواحة حقوق الإنسان، وقع الانفجار المروع، وعلى إثره اتخذت السلطات إجراءات أشد قسوة وعنفا من الدول التى تنتقدها، فمن يكتوى بالنار ليس كمن يستدفئ بها، ومن تنفجر فيه العبوات الناسفة ليس كمن يتفرج عليها فى التلفاز، ولن يشعر بالخطر إلا من جربه وذاق مرارته.
لم تتعظ بريطانيا من درس 11 سبتمبر، حين انقلب السحر على الساحر، وانقض الذئب الذى ربته أمريكا على رقبتها، ولم تستفد من خبرات جيرانها الأوروبيين الذين يعانون حوادث إرهابية، فى فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وفهمت خطأ أن احتواءها لزعماء الإرهاب يمكن أن يجنبها مخاطر الإرهاب، وأنها تمتلك قراراتهم وتحركاتهم برهن إشارتها، ولكن تحطمت هذه التصورات الفاشلة، فى تفجيرات قاعة احتفالات مانشستر، والمرجع أن تنقلب السياسات البريطانية من الاحتواء إلى الحرب، ومن الهدوء إلى العاصفة، وأن تسهم فى إنجاح الجهود الدولية والإقليمية التى تستهدف مطاردة الإرهابيين، دون التذرع بمبررات واهية ثبت فشلها.
لا ينبغى إضاعة الوقت فى «تفصيل» تعريف الجريمة الإرهابية، الحائر ببن الدول لتختار كل واحدة المعيار الذى يحقق مصالحها، ومن ثم يكون الكيل بمعيارين وثلاثة وأربعة، فتنعدم الفاعلية وتحد الجماعات الإرهابية ثغرات واسعة تنفذ منها، والقانون المصرى كان سباقا حسم الجدل، وحدد الإرهابى بأنه كل شخص طبيعى، يرتكب أو يشرع فى ارتكاب أو يحرض أو يهدد أو يخطط فى الداخل أو الخارج، لجريمة إرهابية بأية وسيلة كانت ولو بشكل منفرد، أو يسهم فى هذه الجريمة فى إطار مشروع إجرامى مشترك، أو تولى قيادة أو زعامة أو إدارة أو إنشاء أو تأسيس أو اشترك فى عضوية أى من الكيانات الإرهابية، أو يقوم بتمويلها أو يسهم فى نشاطها مع علمه بذلك.
بلدان الشرق الأوسط هى الصوبة التى يستخدما الغرب لزراعة الإرهاب ورعايته واحتضانه، بمعاونة دول وجماعات عميلة، تمده بالمال والسلاح والحماية، وفقا لنظرية «لماذا نقتلهم طالما يقتلون أنفسهم»، ولكن لم يعد ذلك صحيحا، بعد أن امتدت دائرة النار لتشمل صناع الإرهاب وداعميه وخلفاءه ورعاته، وتذيقهم من نفس كئوس الدن والنار، فأصبح حتميا أن يشكل المجتمع الدولى مظلة قوية، وإذا لم يحدث ذلك فليس هناك من هو بمنأى عن الخطر، وانفجارات مانشستر خير دليل.
لماذا حزب الله وليس الإخوان؟
حدد الرئيس الإمريكى ترامب حزب الله كجماعة إرهابية، يستهدفها فى توسيع دائرة الحرب ضد الإرهاب، ولكنه لم يذكر الإخوان، الجماعة التى خرجت من تحت عباءتها كل التنظيمات الإرهابية، ومنذ أن اختطف حزب الله لبنان حمله فاتورة خسائر أخرى كبيرة، ويحمل هذا البلد الصغير الهادئ فوق طاقته، ويقوم بتمزيق النسيج اللبنانى الناعم، القائم على التوافق والتعايش وقبول الآخر، وصار دولة داخل الدولة، تابعا لإيران ويؤتمر بأوامرها، فالحزب لم ينسلخ من نشأته الأولى فى إيران، حيث كان ظهوره لمساعدة آية الله خومينى فى بداية الثمانينيات، وهو الذى قام بأعمال التصفية الجسدية ضد معارضى الخومينى، وكان يتولى تأديب المتظاهرين، وحرق دور الصحف وقمع أى حركات مناوئة.
حزب الله يواجه مأزقا حادا فى الفترة المقبلة، تتعلق بوجوده العسكرى فى سوريا، بعد أن أصبح مواجها بعقوبات المنظمة الإرهابية مثل داعش تماما، ليكون هدفا لأمريكا وقوات التحالف معا، والمعروف أن له 6 آلاف مقتل يحاربون بجانب النظام، وقوات الحرس الثورى الإيرانى، وقد تكون وجهته بعد تضييق الحصار، الفرار إلى اليمن للانضمام إلى الحوثيين والميليشيات الإيرانية، فى محاولة يائسة لفتح جبهة جديدة.
تزداد الأمور تعقيدا إذا تدخلت إيران عسكريا لإنقاذ حزب الله، ومحاولة فض الكماشة التى تحاصره، وقد تتدخل إسرائيل لإنهاء وجوده فى الجنوب اللبنانى، لترتاح من الإزعاج وتؤمن حدودها، على غرار ما حدث عام 2006، عندما غزت الجنوب البنانى فع عملية «العقاب العادل»، ردا على قيام الحزب بأسر جنديين إسرائيليين، ودفع لبنان فاتورة فادحة لمغامرة حزب الله الطائشة، وهُدمت محطات المياه والكهرباء والطرق والجسور، ونزح نصف مليون لبنانى إلى مدن الشمال، وبعد الخراب والدمار، قال حسن نصر الله تصريحه الشهير: «لو علمنا أن عملية الأسر ستقود إلى هذه النتيجة، ما قمنا بها قطعا»، اعتراف أسوأ من الجريمة، فلم يكن من الشجاعة أن يهدم وطنا فى مقابل أسر جنديين.
لبنان لا يحتمل حربا ثالثة تندلع على أراضيه دون أن يكون طرفا فيها، حربا وقودها الشعب اللبنانى، ومشعلوها هم «الآخرون» و«حزب الله»، ومن الصعب أن يجود الزمن بـ«حريرى» آخر، يعيد بناء الدولة من جديد، ويضخ عشرات المليارات من الدولارات، والسعودية لم يعد لديها ما تقدمه، بعد أن غرف ترامب من خزائنها الكثير، والغريب أن الذين يعتبرون حزب الله جماعة إرهابية، لا يطبقون نفس المعيار على الإخوان، رغم أنها أشد خطورة.