صبرت مصر وتسلحت بأقصى درجات ضبط النفس، وتسامحت مع من لا يجدى معهم التسامح، حقنًا للدماء وحماية للأرواح، وارتفاعًا عن الصغائر مع من لا يفهمون تلك المعانى، ولكن اتق شر الحليم إذا غضب، وعندما ينفد الصبر، فلا يلوم هؤلاء الأشرار إلا أنفسهم، فلم يكن الصبر ضعفا وإنما منتهى القوة، ولم يكن ضبط النفس ترددًا، وإنما حكمة وعقلانية وهدوء، حتى وصلنا إلى مرحلة لا ينفع معها السكوت ولا لغة العقل، مع من يوجهون أسلحة الغدر لحصد الأبرياء، ولم يفهموا أن مصر تمتلك قوة ردع هائلة، وطاقة نيران تحرق الأرض فوقهم وتحتهم.
كان يوم الجمعة 26 يناير 2017 ساعة الحساب، فرصاص الغدر الذى حصد شركاء الوطن، لا ينفع معه إلا عقاب من جنس العمل، وإذا كان الإرهابيون يمتلكون الرشاشات، فجيشنا يمتلك أحدث الطائرات والمدافع والدبابات، وإذا تجاسروا وقتلوا أبرياء، فالصواريخ تستطيع أن تصل إليهم فى مخابئهم تحت الأرض، وإذا خرجوا يصرخون ويولولون من هول الضربات، فهذه هى عدالة السماء، لأنهم لم يرحموا نساء وأطفالا، لم يمتلكوا سلاحا يدافعون به عن أنفسهم إلا الدعاء، ولم يستجيبوا لدموع ولا توسلات، ونفذوا جريمتهم التى تجافى الإنسانية، بمنتهى القسوة والوحشية والهمجية، فذوقوا نفس العذاب واشربوا من نفس الكأس.
كان الإرهابيون يتصورون أن العالم سيصمت كعادته على جريمتهم، ففوجئوا بتأييد عالمى غير مسبوق، لأى إجراءات تتخذها مصر، دفاعًا عن نفسها وشعبها وأرواح مواطنيها، وخرجت تصريحات التأييد والمساندة من الشرق والغرب، تدعم الغارات العسكرية المصرية، ضد قواعد الإرهاب فى ليبيا، اتساقًا مع الشرعية الدولية التى تبيح للدول اتخاذ كل الإجراءات إذا تعرضت للعدوان، بما فى ذلك التدخل العسكرى خارج حدودها، لدرء المخاطر التى تهددها.
لم تستهدف الغارات المصرية إلا قواعد الشر، ولم تمس مواطنا ليبيا أو أيا من الممتلكات، وكانت فرحة الليبيين كبيرة وهم يرون أشد العقاب ينزل على تلك العصابات الدموية التى روعتهم ومزقت دولتهم، وحولت بلادهم إلى ميليشيات وحروب عصابات، وأصبحوا فى أمس الحاجة لمن يأخذ بيدهم وينقذ بلدهم، حفاظا على ما تبقى منها، وأملا فى استعادتها من براثن الشيطان.
اتق شر الحليم إذا غضب، ومصر وشعبها غاضبون، ولن تهدأ ثورتهم إلا إذا دفع هؤلاء المجرمون الثمن، ويختلف عدوان يوم الجمعة الهمجى عن أى أعمال إرهابية أخرى، فهم هذه المرة يمسون كبرياء الوطن وقدرته على توفير الأمن والأمان لمواطنيه، والمصريون يتحملون أى شىء إلا المساس بكبريائهم، ويتحملون الأزمات ويربطون الأحزمة على بطونهم، ولا يحنون رؤوسهم إلا للعلى القدير، وإذا انفجر الغصب فليس له حدود، إلا بردع كل من تسول له نفسه أن يمس تلك الخطوط الحمراء.
أراد الأشرار أن يحرضوا العالم للتدخل وحماية المسيحيين، فانقلبت مؤامرة الشر فوق رؤوسهم، ودخلت الحرب ضد الإرهاب منعطفا جديدا، بالضربات المركزة فوق أهداف محددة بدقة، تدمر قواعدهم وتكسر عظامهم وتشتت جمعهم، وليس بالغارات التليفزيونية، التى تعودوا عليها من قوات التحالف الدولى، بناء على معلومات ترصد دبة النملة فى أوكار وقواعد الإرهابيين، وكان الضرب، كما يقول المثل، فى العظم، وليس الريش.
لم يدركوا أن مصر محفوظة بعناية المولى عزّ وجل وطيبة شعبها، وأن من يأتى عليها لا يكسب أبدا وتصيبه اللعنات، وأن الدور سيأتى على الملاعين حكام قطر، بعد أن نزعت عنهم دول الخليج عباءة الستر والتستر، وتأكدت أنها كانت تدلل طفلا أهوج، يمسك نارا أراد أن يحرق بها مصر، فامتدت ألسنة اللهب لتطالهم، فلا أمان لعميل ولا عهد لخائن، وعلى الباغى تدور الدوائر.
وكعادة الجبان الذى لا يخشى إلا من يرفع فى وجهه العصا، خرج حكام قطر عن حدود الصلف والتآمر، وأصدروا بيانات تدين قتل المصريين، ورفعوا علم مصر خفاقا فوق واحد من أعلى مبانيهم، ولم يكن أبدا شعورا بالأسف أو إحساسا بالندم، أو تراجعا عن مؤامرات خسيسة ضد مصر الطيبة، ولكن خشية العقاب الذى ينتظرهم واللعنات التى تطاردهم.. لم ينطل خداعهم على أحد، ولم يقبل مصرى واحد تعازيهم، فهم المجرمون الذين يقتلون الضحية ويريدون المشى فى جنازته، وبيننا وبين أميرهم الضال تار بايت، ومن يعرف أهالى هؤلاء الضحايا الذين قتلوا غدرا وعدوانا، يتأكد أن الصعايدة بالذات لا يتركون ثأرهم مهما طال الزمن.
اتق شر الحليم إذا غضب، وفى قلب كل مصرى غضب عارم، وإذا انفجر فلن يتوقف، وسوف تمتد توابعه لتطهر الجحور التى يختبئ فيها داعمو الإرهاب فى الداخل، وفى صدارتهم أعضاء الجماعة الإرهابية، الذين يعيشون بيننا وينعمون بخير بلدنا، ويضمرون شرا وحقدا وكراهية، بعد أن زالت أحلامهم كالسراب وذهبت أطماعهم إلى غير رجعة، وباتوا يحلمون بيوم يسود فيه الخراب وتشتعل الحرائق، فينعقون كالبوم فوق الأطلال والحطام، فمصر بالنسبة لهم ليست أرضا وشعبًا وحضارة وخلودا، وإنما «طظ» فيها، مجرد محطة عابرة يمكن أن يتولى حكمها فلبينى أو سيرلانكى، أو يتحكم فى شعبها سلطان تركى، فيضعون أيديهم فى أيدى الشيطان أردوغان، الذى لا يقل شرا وكراهية عن أمير قطر الضال.
اتق شر الحليم إذا غضب، ومن أحشاء المأساة وقلب الأحزان، ظهر معدن غالبية الشعب المصرى الأصيل، الكاره للعنف والقتل، والمحب للحياة والسلام، وانكشف أيضا لوبى الأشرار المتحفزين للانقضاض، وكانت يد الثأر هى العليا، ونزلت صواعق النار على الإرهابيين فى درنة، بردا وسلاما على أرواح الشهداء.