الحكاية من أولها غلط، لأن الجميع وظفوا تعبير "فى حب مصر"، لحب أنفسهم وتقسيم الغنائم وحصد المقاعد، والأحزاب التى انضمت للقائمة، دخلتها لتحصل على "حقها ناشف" حسب التعبير الدارج، وبعد أن انفض المولد، كل يبكى على ليلاه ويبحث عن مصالحه الخاصة، فأين ذهب الذين كانوا يقولون شعرا فى حب مصر، ويهيمون حماسا فى حب مصر، وتدمع عيونهم فى حب مصر؟
على مستوى قناعتى الشخصية، علمتى التجارب أن أتحسس مسدسى، كلما رأيت "دراويش" حب مصر، وادعو فى سرى "ربنا يستر"، لأن الحب ليس بالخطب والشعارات والأغانى، ولا بقراءة الفاتحة والحلفان على المصحف، ولا بالعيش والملح والكباب والكفتة فى فنادق الخمس نجوم، ولا باتنين ليمون تحت شجرة مع بنت حلوة فى كازينو الحمام، وإنما بأن ننحى حب المصلحة، ونغلب الحب الحقيقى.
حب مصر يقتضى بأن نصارح أنفسنا، بأننا لا نخترع العجلة، ولا نعيد اكتشاف الديمقراطية، وعليه فإن الائتلاف الذى غير اسمه من "دعم الدولة" إلى "دعم مصر"، لابد أن يعيد صياغة نفسه فى شكل حزب تحت التأسيس، قوامه المستقلين الذين هم أغلبية المجلس، ومن يريد من المنتمين للأحزاب الأخرى، ويعلنها صريحة "أنا حزب النظام والحكومة"، وينسق معها ويراجع برنامجها ويدخل عليه ما يرى من تعديلات، وبالتالى يتيح الفرصة لظهور حزب آخر يعارضه الديمقراطية حكم ومعارضة، وبرامج وسياسات يدافع عنها أصحابها ويعارضها منافسيهم، وأما حكايه أنا مع الحكومة وضدها، حسب المواقف والظروف والقرارات، فالديمقراطية ليست بالقطعة، أنا اليوم معك وغدا عليك، واخشى ما أخشاه أن تتحول جلسات البرلمان إلى "توك شو"، يرتفع فيه سقف دغدغة مشاعر الجماهير، واللعب على الشعارات المزينة والهتافات الحنجورية، فتحدث صدامات مستمرة، بين الحكومات "الشريرة" التى تضيق على الناس، والبرلمان "العاطفى" الذى يخطب ود الناس.
حب مصر هو أن نؤمن بأن زمن الاتحاد الاشتراكى قد ولى، وأخذ معه بقايا الحزب الوطنى، وعليه فلا أغلبية مطلقة، ولا تصويت بالأوامر والاستدعاء، ولا يوجد فى البرلمان حزب لرئيس نفتديه بالروح والدم، ولن يقبل النواب أن يرتدى "سيف اليزل" جلباب كمال الشاذلى أو أحمد عز، وحتى لقب "زعيم الأغلبية" أصبح مرادفا للأوجاع والذكريات، وليبحث لنفسه عن مسمى آخر بعيدا عن الزعامة.
على "دعم مصر" أن يحدد بوضوح، الأسس التى يأتلف عليها مع الأحزاب الأخرى، دون أن يكون محرجا من أنه الداعم والمساند للحكومة، وظهيرها المعلن - وليس الخفى - فى البرلمان التفاصيل كثيرة، والشيطان يكمن فى التفاصيل، كما يقول المثل، والآمال المعقودة على البرلمان الجديد، واسعة ومتفائلة وعريضة، وأهمها أن يدعم الأمن والاستقرار، وأن يكون منجزا وليس معرقلا، وإلا تختفى المطامع والأغراض تحت عباءة أننا نفعل ذلك حبا فى مصر.
أرجوكم أوقفوا مزادات المتاجرة بالغناء والطرب حبا فى مصر، فمصر تجد نفسها فى أرواح مقاتليها، وليس حناجر مغنّيها.