نمر بواحدٍ من الأيام الأكثر بعثاً على الحزن منذ أبصر مجلس التعاون الخليجي النور. لم يخطر في بالي قط أن بلداً شقيقاً، بلداً مجاوراً نتشارك معه في الإمارات العربية المتحدة روابط الدم، سوف يتحرك ضد مصالحنا خلف الكواليس، عبر دعم مجموعات إرهابية تهدّدنا جميعاً فيما يتقرّب في الوقت نفسه من عدوّتنا إيران.
لطالما كان ولاء النظام القطري لحلفائه في مجلس التعاون الخليجي، موضع تشكيك. إنه سرٌّ معلوم أنه يؤوي مجرمي "الإخوان المسلمين" الذين يقبعون في فنادق خمس نجوم، وأنه يقيم علاقات وثيقة مع كل من "حماس" وحركة "طالبان" الأفغانية، وسواهما من التنظيمات الإرهابية.
ليست الدوافع خلف سوء معاملة النظام القطري لأصدقائه المقرّبين، واضحة للعيان. إلا أنه يمكنني التكهّن بأن أمير البلاد كان متورّطاً مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي كان عازماً على تعزيز النفوذ الإيراني في مقابل تحجيم نفوذ دول الخليج.
من المعروف عن القيادة القطرية أنها تتصرف وتتعامل بوجهين، وأنها تقول أمراً وتفعل نقيضه. الابتسامات والرسائل الديبلوماسية الإيجابية التي صدرت عن تلك القيادة كانت زيفاً وخداعاً بهدف إخفاء الصفقات المشبوهة للبلاد التي تلعب على الحبلَين.
لقد فُضِح موقف الدوحة التي تدّعي الصداقة تجاه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين، وتبيَّن أنها تمثيلية مخادِعة لا يمكن السكوت عنها. لا تسعى السعودية والإمارات والبحرين إلى المواجهة؛ يتحلى قادتنا بالصبر، لكنهم أيضاً منصِفون وحازمون وأقوياء عندما تكون سلامة شعبنا على المحك. لا يمكننا أن نغمض عيوننا ونصمّ آذاننا إلى ما لا نهاية عن الحقيقة التي تحدّق إلينا مباشرةً في وجهنا.
القطريون شعب طيّب، إنهم من أفضل الشعوب التي أعرفها. يشاركوننا ثقافتنا وتقاليدنا. لا أصدّق أنهم موافقون على سلوك حاكمهم. إنهم يتعرضون للقمع في الخفاء، ويخشون التعبير عن آرائهم بصراحة. لا نريد إلحاق الأذى بهم بأي طريقة من الطرق، ونتطلع إلى تقاسم الرغيف معهم من جديد.
أناشد إخواني وأخواتي في قطر ألا يأخذوا الأمور بطريقة شخصية بعد قيام المملكة والإمارات والبحرين بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع الدوحة. لم يبقَ أمامنا من خيار.
تدعم مصر وليبيا واليمن وجزر المالديف وموريشيوس موقفنا. لقد أغلقت الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة مجالها الجوي والبحري والبري أمام قطر "من أجل حماية الأمن القومي من مخاطر الإرهاب والتطرف"، كما نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر سعودي رسمي.
نتوقّع أن يبادر الأردن والمغرب والسودان إلى الإعلان عن إجراءات مماثلة. ونأمل، لا بل نحن على يقين من أن الكويت وسلطنة عمان ستقفان أيضاً إلى جانب الحق.
أتوقّع أن تنضم بعض الدول الغربية إلى المقاطعة مع أن ظنّي خاب من الرد الأمريكي. فوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون يدعو إلى المصالحة والتفاهم، ويقول إنه ليست لدى الولايات المتحدة خطط لنقل عمليات القيادة المركزية من قطر. هذا الرد السريع مخيّب للآمال.
ستؤدّي عزلة قطر إلى استنزاف خزائنها. وقد بدأنا نشهد على التأثيرات السلبية المترتبة على البورصة والخطوط الجوية القطرية. لسوء الحظ، لن يكون القطريون محصّنين من التداعيات. أنا على ثقة من أنها غيمة صيف عابرة، وأن ما يجري هو مجرد خلاف عائلي مؤقّت، ولن يدوم التباعد طويلاً. لطالما كانت قطر جزءاً من أسرتنا الخليجية، ويجب أن تبقى كذلك على الدوام.
على صعيد إيجابي، سوف يعاني المستفيدون من التمويل الإرهابي الذي يؤمّنه النظام القطري – "حزب الله"، والحوثيون اليمنيون الموالون لإيران، وحركة "حماس"، و"جبهة النصرة"، و"الإخوان المسلمون"، و"داعش" و"القاعدة"، وسواهم – من خسارة في السيولة.
الاحتقان شديد، وثمة تراكمات كثيرة. العودة إلى الوراء غير ممكنة ما لم تجد قطر سبيلاً للنهوض من كبوتها. لا يمكن الوثوق بنظام حمد بن خليفة آل ثاني وابنه تميم، ووعوده لا قيمة لها.
لقد دفعت أسرة الشيخ حمد البلاد في الاتجاه الخطأ، واستخدمت ثروتها الطائلة لأغراض شائنة. أعتقد أن القطريين بدأوا يتنبّهون لهذا الواقع الذي ترزح البلاد تحت وطأته. لست في وارد أن أملي على شعوب الدول الأخرى ما يجدر بهم فعله رداً على حكوماتهم؛ فهذا القرار يعود لهم وحدهم. أضرع فقط إلى الله تعالى كي يتخذوا قرارات حكيمة.
لكن إذا كان أمير قطر يأبه لمستقبل بلاده وشعبه، من الأجدى به أن يفكّر في التنحّي والتوجّه إلى المنفى مع المقرّبين من أفراد أسرته وأنصاره الشديدي الولاء له. هناك دولٌ عدة من شأنها أن تستقبله وتقدّم له ملاذاً، إنها دولٌ ترحّب بكل طيبة خاطر بالحصول على جرعة كبيرة من الأموال.
ثمة أشخاص شرفاء في أسرة آل ثاني قادرون على إعادة قطر إلى الصراط المستقيم. الشيخ سعود بن ناصر آل ثاني واحدٌ منهم. لقد وجّه انتقادات حادة إلى تميم في تغريدة له عبر تويتر جاء فيها: "كان لدينا أمل بأن تتغير السياسة الخارجية، وقد خابت آمالنا بعد قيامكم برص صفوفكم مع إيران ضد أشقائكم، وإنشاء مجموعات إرهابية ونشر كتائب إلكترونية لإلحاق الهزيمة بخصومكم...".
ثمة فروع في عائلة آل ثاني الموسّعة تضم أشخاصاً ذوي انتماء عربي خليجي بكل ما للكلمة من معنى، يكنّون حباً صادقاً لموطن جيرانهم بقدر حبهم لأرضهم، ويريدون أداء دور في تحسين أوضاع العالم العربي ودفعه نحو الأفضل، بعيداً من بث التفرقة والانقسام.
عليهم أن يتقدّموا ويرفعوا الصوت عالياً، كي يتوحّد الشعب القطري خلفهم. وسوف تكون السعودية والإمارات وحلفاؤهما مسرورين جداً بالترحيب بعودة قطر إلى الحظيرة.
لقد نعتت وزارة الخارجية القطرية الإجراءات التي اتُّخِذت بأنها "غير مبرّرة"، وقالت إنها "تستند إلى مزاعم وادّعاءات عارية عن الصحة". هذا الكلام هباءٌ منثور. فهناك سيلٌ من الأدلة المتزايدة التي تدحض هذا الإنكار.
أتطلع إلى أن تقوم قطر بإعادة دوزنة سياستها الخارجية بما ينسجم مع السياسة التي تتبعها جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، كي نتحلى بالثقة الضرورية من أجل رأب العلاقات مع الدوحة بحسن نيّة. يقع على عاتق قطر أن تحدّد الآلية لتحقيق ذلك، وفي الانتظار، ينبغي على الإمارات وحلفائها العرب أن يفعلوا ما يتوجّب عليهم لحماية شعوبهم.
عندما تقرأ جميع بلداننا في الخليج العربي في الكتاب نفسه من أجل مكافحة آفة الإرهاب والتصدّي للتوسعية الإيرانية، سوف تصبح هذه الدول الأكثر أماناً واستقراراً على وجه الأرض.
عودي إلينا يا قطر! عودي إلينا كشريك وفيٍّ مخلص! فلنضع ثقتنا في الله تعالى كي يجمع شملنا من جديد في إطار من الحب والصداقة قبل أن تصبح الهوّة كبيرة جداً ويتعذّر علينا ردمها بسرعة وسهولة.