فى بريطانيا وأوروبا لديهم تجربة انتخابية وديمقراطية مستقرة تمكنهم من تعديل المسارات ومعالجة الأخطاء، مع الاحتفاظ بنظام تبادلى لحزبين يتنافسان فيما بينهما، لكن هذا النظام لم ينتج أى تأثير على العالم أو النظام العالمى الذى يبدو متجها أكثر إلى أقصى درجات التطرف، من خلال دعم الإرهاب والتدخل فى شؤون الدول، بشكل تجاوز ما كان يفعله الاستعمار.
بالرغم من كل الحديث والجدل الأوربى عن تكافؤ الفرص وعدم التدخل فى شؤون الدول الأخرى إلا أن التدخل عنوانا واسعا مستمرا من سنوات وربما من عقود، وأدى إلى ما أدى إليه من إنتاج نظام هش وفوضى لا تبدو قابلة للحل، خاصة مع استيراد وتوطين داعش وتنظيمات الإرهاب، التى تبدو جزءا من مشهد الفوضى، وتقف فى بعض الأحيان عصية على الفهم والحل.
خلال خمس سنوات شهدت المنطقة تدخلات من جهات مختلفة بالتمويل والتسليح، رأينا تحالفا من حلف الناتو لإسقاط القذافى، لم يتوقف عند إسقاط القذافى وانتقل لإسقاط النظام كله وادخل ليبيا فى فوضى، بل إن الغرب هو من سمح بدخول آلاف المقاتلين والمرتزقة، ومنح تنظيمات مثل القاعدة وداعش مزيدا من الوقت والفرص. ونفس الأمر فى سوريا حيث دعمت أمريكا وبريطانيا وفرنسا معارضة سورية تم انتقاؤها من الوجوه المحترفة فى أوروبا، ومع الوقت تراجعت المعارضة وتقدم داعش والنصرة وتنظيمات الإرهاب.
وبعد تدمير ليبيا صدرت اعترافات باهتة من ديفيد كاميرون أو من فرنسا بالمسؤولية عن إسقاط الدولة فى ليبيا من دون بدائل، لكن هناك مؤشرات على أن الديمقراطيات الغربية كانت تتعمد إنتاج فوضى، وتعلم بمسارات التنظيمات الإرهابية، بل وتحالفت معها بشكل غير مباشر. وكان الهدف هو التعامل مع المعارضة التابعة الانتهازية من طلاب المال والنجومية، وإقصاء المعارضة الحقيقية، مع الرهان على نخب تتصارع على المغانم ولا تجد فى تدمير بلادها مشكلة طالما تحقق أرباحا وتحصل على التمويل، ومثلما لعب الجلبى وأمثاله دورا فى تدمير العراق وتفكيكه، لعبت النخبة ما بعد القذافى دورا فى فتح المجال للناتو وللتنظيمات الإرهابية، لأن النخب السياسية تعجز عن إدراك الخطر، وتركز على إرضاء غرورها.
ولعل هذا هو ما دفع ضابط ومحلل فرنسى لأن يوجه اللوم إلى المعارضة السورية التى تسببت فى تدمير بلادها، وبعد أن كانت هناك إمكانية بناء فى نظام قائم أصبح الأمر صعبا، بل إنه أتاح المزيد من القوة والشرعية لبشار الأسد الذى يبدو اليوم مدافعا عن سوريا فى مواجهة مغول تنظيمات الإرهاب البدائى.
الضابط والمحلل الفرنسى أبدى دهشته من المعارضة السورية التى تحولت إلى مطية لدول تبيعهم فى أسواق السياسة، وأسهموا فى تدمير بلدهم بشكل ممنهج ولم يقولوا يوما كفى لكل هذا القتل والتدمير أنهم حمقى و تجار دولار، أغلبهم كانوا يعيشون فى أوروبا ولم يعرفوا سوريا ولا ظروفها، ولا كيف كانت تسير أفضل مما هو الآن.
المحلل الفرنسى مثل كثيرين يندهش من كيفية تحول الربيع العربى إلى تجارة للسلاح والسياسة، بينما تلعب المعارضة دور السمسار الباحث عن مصالحه، حتى لو كانت على حساب تدمير بلاده.