«من يستطع إيهام الجماهير يصبح سيدًا لهم.. ومن يحاول إزالة الأوهام من أعينهم يصبح ضحية لهم»، هذه المقولة العبقرية، دشنها الطبيب والفيلسوف والمؤرخ الفرنسى الشهير «جوستاف لوبون»، صاحب مؤلفات، «الحضارة المصرية» و«حضارة العرب فى الأندلس» و«سر تقدم الأمم» و«روح الاجتماع».
هذه المقولة بالغة الدلالة، وعظيمة الأثر، تمثل نهجًا لأداء الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى رفض منذ ظهوره على سطح الأحداث عند تعيينه وزيرًا للدفاع، وحتى كتابة هذه السطور، اللجوء إلى «تكحيل عيون الناس بالأوهام»، وأصر على إعلاء فضيلة المصارحة، والمكاشفة، وإزالة كل الأوهام من العيون، رافضًا كل النصائح بضرورة «بيع وتصدير الأوهام»، ليستمر سيدًا ومتوجًا على عرش القلوب، ولا يتعامل مع شعبه كجراح يكتب روشتة علاج حقيقية، لا تتضمن المسكنات.
وفى ظل المعطيات السابقة، استغلت جماعات وحركات ومجموعة الابتزاز السياسى من أجل تقسيم المغانم، مصارحة ومكاشفة الرئيس بالأمراض والعلل، التى تعانى منها البلاد، لإثارة «ثورة الشك» وتلبيد سماء القاهرة بغيوم سوداء، رغم الجهد، الذى تبذله مؤسسات الدولة المختلفة، وجهد السيسى الذى يطحن الوقت، لتحقيق المعجزات، لذلك كل ما أخشاه، ويخشاه شرفاء هذا الوطن، من أن يتسلل الأرق والملل والإحباط لربان السفينة، وينسحب فى هدوء، وتدخل البلاد فى متاهة مظلمة.
نعم، أخشى أن يأتى يومًا، يتحسر فيه شرفاء هذا الوطن، على يوم من أيام حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، مثلما تحسروا على يوم من أيام «مبارك»، وحينها لن ينفع معها، هذه المرة الترحم، ولن يشفع الحنين إلى الماضى، لأن سيناريو حكم مبارك، يختلف كليًا وجزئيًا عن سيناريو حكم السيسى.
مساحة الاختلاف بين السيسى ومبارك، شاسعة وضخمة، فالسيسى لا يلجأ إلى تصدير الوهم ليصبح سيد الجماهير، أو استخدام المسكنات فى العلاج، أو الرضوخ والإذعان لأمريكا والغرب، ودول إقليمية، فبدأ فى فتح الملفات الصعبة والمسكوت عنها، والعمل من أجل المستقبل، فى سياسات طويلة الأمد تنهض بالدولة، ولا تعتمد على الحاضر، وتوفير «قوت الناس» يوما بيوم.
بينما «مبارك» لجأ إلى العلاج «بالتنويم المغناطيسى» لكل الآلام والمشاكل، فلم يقترب من أصل مشكلة لحلها، ولكن كان يلجأ للعلاج بالتنويم المغناطيسى تارة، والمراهم والمسكنات تارة أخرى، والإيمان بمبدأ (عيشنى النهاردة وموتنى بكرة)، وهى نظرية كارثية، ترفض أن تعيشها الأسرة العادية، فما البال بالأمم؟!
ولو كان السيسى يصدر الوهم للمحافظة على شعبيته الجارفة، ما لجأ إلى تدشين المشروعات القومية الكبرى، وكان أغدق على شعبه بكل ما يحصل عليه من قروض وودائع، ولكن المقابل سيكون مريرًا وموجعًا، فسينهار البلد انهيارًا كاملًا، ولن تقوى على مواجهة أصغر المشاكل.
السيسى رجل شجاع، قوى، يٌعلى من فضيلة وقيمة الأفعال، ويٌقلل من شأن الأقوال، وينظر للمستقبل، ويؤمن بمواجهة وحل المشاكل من الجذور، لذلك قرر أن يدشن شبكة طرق عالمية، تدفع بالبلاد إلى آفاق المستقبل والخروج من شرنقة الدلتا المميتة، كما قرر استصلاح المليون و500 ألف فدان، لتحقيق أهم عناصر الأمن القومى، وهو الاكتفاء الذاتى من القمح، وقرر أن ينمى سيناء، ويحفر قناة سويس ثانية، وأنفاق كبرى تربط أرض الفيروز بالوادى وتسهل حركة التجارة منها وإليها، وقرر قهر الجبال بتدشين مشروع جبل الجلالة، وهو المشروع الذى سيحدث طفرة نوعية فى القطاع السياحى، ربما تتفوق على الغردقة وشرم الشيخ، ليصبح لدى مصر منتجعات سياحية عالمية، تتمثل فى جبل الجلالة وشرم الشيخ والغردقة.
وقرر الرجل أيضًا أن يضع حدًا لأزمة الكهرباء، التى أصبحت مشكلة مزمنة، وكارثية، فلا حياة دون طاقة فى أى دولة من الدول، والقضاء نهائيًا على أزمة رغيف العيش، والقضاء نهائيًا على الطوابير المتراصة أمام المخابز والأفران، فى منظر لا إنسانى، وكان يقع فيه ضحايا كثر، ناهيك عن حل مشاكل الأمن وتوفير البنزين والسولار، وأنابيب البوتاجاز، بجانب مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وهو المطلب الذى كان ينادى به الجميع طوال عقود طويلة، للتخفيف عن القاهرة، التى تحولت إلى قنبلة موقوتة، والمصيبة أن المعترضين بقيادة كهنة يناير وكتائب نشر اليأس والإحباط، والغريب أن هؤلاء الكهنة والمبشرين بديانة التسخيف والتسفيه والمعارضة من أجل المعارضة، كانوا ينادون بضرورة تفريغ القاهرة من كل الوزارات والهيئات، وعندما بدأت الدولة فى اتخاذ خطوات جادة ببناء العاصمة الإدارية الحديدة، وتنفيذ خطط تفريغ القاهرة من الوزارات والهيئات، خرجوا معترضين ورافضين.
نؤمن أن الناس تعانى، والغلاء يجلد أجساد الغلابة، ولكن لا يوجد خيارات سوى المواجهة لإنقاذ وطن يحتضن 92 مليون مواطن، جميعهم يبحث عن المأكل والمشرب والتعليم والعلاج والسكن والعمل وينشد مستقبل واعد، والعيش فى رحاب الأمن والأمان والاستقرار.
أن أبرز عناصر حقوق الإنسان، أن يحيا الإنسان فى سلام، وأمن، ويجد حياة كريمة تليق به كإنسان، ولا يمكن حصر حقوق الإنسان فى التظاهر وتدشين الشتائم والسفالة وقلة الأدب.
الأوطان لا تقام على طريقة (الأرزقية) والعمالة اليومية، رزق يوم بيوم، ولو حدث أزمة ما، الناس لن تجد قوت يومها، وإنما الأوطان تقام على التنمية المستدامة، وتأمين المستقبل للأجيال، ولن يتحقق ذلك إلا بإقامة المشروعات الكبرى، وتعدد محاور التنمية، وتنوعها، وعدم الاعتماد على الاقتصاد الاستهلاكى.
كان بإمكان السيسى أن يكحل الناس بالأوهام، ويغدق عليهم بكل ما أنفقته الدولة فى مشروعات كبرى، على الأكل والشرب، وتخفيض الأسعار، واكتساب شعبية جارفة، حتى تنتهى فترة ولايته، ولكن الرجل رفض مفضلا مستقبل الوطن، على مستقبله السياسى.
وإذا لم يكن هذا هو قمة العطاء للوطن على حساب المجد الشخصى، فما هو إذن قيمة العطاء والوفاء والإخلاص؟! وهل تنتظرون من وطن ثقافته قائمة على الاستهلاك فقط، والإيمان بالأقوال المأثورة، من عينة (عيشنى النهاردة وموتنى بكرة.. ولاقينى ولا تغدينى) وغيرها من مئات الأمثلة والأقوال المأثورة الكارثية، التى دشنت (للاتكالية والأنتخة) أى أمل أو تقدم؟!
أترك الإجابة للسادة القرّاء.!!!