احتمال استخدام السلاح النووى فى الضربات الوقائية، ليس فقط السلاح النووى التكتيكى، ولكن ربما السلاح النووى الاستراتيجى، الأمر الذى يجعل استراتيجية الحروب الوقائية استراتيجية مفتوحة الاحتمالات، لا تتقيد بحدود الجغرافيا السياسية، ولا تخدم قواعد القانون الدولى، كما يقول الباحث محمد ضياء الدين محمد فى بحثه المهم «اتجاهات العلاقات الدولية بعد أحداث سبتمبر».
تغيرت الاستراتيجية العسكرية الأمريكية بعد 11 سبتمبر، وأصبحت تعتمد على المبادئ التالية.. المبدأ الأول: استمرارية التفوق الأمريكى. المبدأ الثانى: محاربة الإرهاب الدولى، وتحول الاستراتيجية الأمريكية من الاحتواء إلى سياسة الضربات الوقائية، والسعى إلى القيام بحملة عالمية للقضاء على المنظمات الإرهابية، والتخلص من قياداتها ومنابع تمويلها وشبكات اتصالاتها، ودعم حكومات الدول ضد الإرهاب، مع تحديد طبيعة التهديدات الإرهابية، والتعامل مع تغيرها وحدها، ويشمل هذا المبدأ البيئة العالمية الجديدة، المستغلة من قبل الإرهابيين، وكذلك أسلحة الدمار الشامل.
المبدأ الثالث: الحد من الصراعات الإقليمية، الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، الهندى الباكستانى، الإندونيسى الكمبودى، فالظروف التى تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل لا يمكن توقعها أو التنبؤ بها، وذلك الأثر الواضح للأحداث هو استمرار التمدد الأمريكى على خارطة السياسة الدولية لوقت ليس بالقليل، وذلك من خلال تبنيها الكثير من الأطروحات، مثل حق التدخل «الظروف إنسانية وغيرها»، وإعادة الأمل، ونشر الديمقراطية، وممارسة الوصاية الدولية.
الآثار الاقتصادية: فيما عدا خسائر الأرواح والبرجين والطائرات الأربع، فإنه ليست هنالك أى آثار اقتصادية مباشرة للأحداث، إيجابية كانت أم سلبية، فالآثار لم تتعد ما ذكر مع خسائر آنية بسيطة، مثل إغلاق البورصة الأمريكية لبعض الأيام، وكذلك الطيران، وتأثر بعض القطاعات السياحية لعام أو عامين عقب الحدث، والأثر المباشر الوحيد كان فى قطاع التأمين الأمريكى والعالمى الذى ارتفع بعد أحداث 11 سبتمبر بنسب وصلت إلى %400، نتيجة التعويضات التى دفعتها هذه الشركات، وارتفاع مقدار المخاطرة فى النقل الجوى والبحرى والبرى، والتأمين على الأرواح والمنشآت.
الآثار غير المباشرة: وهى غزو أفغانستان، ثم العراق، وهذا الغزو أثر على الموازنة الأمريكية، وارتفاع نسبة العجز فيها. والأرقام تقول إن كلفة الحربين بلغت ما يفوق 400 بليون دولار حتى الآن، بل توصلت بعض الإحصاءات إلى أن الكلفة تصل إلى ما يزيد على 3 تريليونات دولار تحمّلها دافع الضرائب الأمريكى.
أما الأثر الآخر غير المباشر فهو انسحاب بعض الأموال من أمريكا، وتخوف الكثيرين من المستثمرين العرب والخليجيين، خاصة فى دفع أموال إضافية داخل السوق الأمريكية، فلا شك أن تعقب مصادر الأموال وإنفاقها وخشية كثير من رجال الأعمال من ربط مصادر أموالهم وإنفاقها بمصادر مشبوهة قلل ذلك من رغبة الكثيرين الاستثمار فى أمريكا.
الآثار الفكرية والثقافية: يرى المستشرق الروسى إيفغينى ماكسيموفيتش أن آثار أحداث سبتمبر لم تتوقف حتى الآن، وأنها آخذة فى التضاعف والزيادة. واستعرض «ماكسيموفيتش» فى كتابه «العالم بعد 11 أيلول» ظاهرة الإرهاب فى القرن العشرين، وظروف نشأتها، ونفى خرافة تأصل النزعة العدوانية فى الإسلام، حيث أكد أنه لا جذور للإرهاب فى القرآن أو السنة، وأن السبب الأساسى فى هذه الأحداث هو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إنها أسهمت كثيرًا فى نشوء أبرز الجماعات الإسلامية المحاربة، «القاعدة» و«طالبان»، فهى صنيعة أجهزة الاستخبارات العسكرية الباكستانية، بالتعاون مع وكالة المخابرات الأمريكية، ولذلك يرى أن أحداث سبتمبر حققت للولايات المتحدة أمنية عزيزة، حيث إنها كشفت لها عن عدو آخر طالما بحثت عنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، هذا العدو ما أصبح يعرف بالإسلام الرادكالى ولذلك لم تظهر أبعاد الهيمنة الأمريكية على العالم إلا بعد أحداث سبتمبر.
يرى آرنست ماى أن هذه الأحداث عملت على تحولات كبيرة على المستوى الثقافى والفكرى والحضارى، حيث أظهرت مدى الكراهية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وأدت إلى ظهور مفهوم الصراع بين الثقافات والحضارات، حيث إنها أثارت لدى أعداء الإسلام أن الدين الإسلامى عدو للمدنية والحضارة والسلام، وأنه يمثل المشكلة الحقيقية وراء ظواهر الإرهاب، وهو الأمر الذى انعكس ثقافيًا وفكريًا على صورة المسلمين ومجتمعاتهم، ووضعت الجاليات الإسلامية فى الولايات المتحدة والغرب على قوائم الاتهام والشكوك والمضايقات، حيث تعرض بعض المسلمين بعد هذه الأحداث إلى الاعتقالات والتفتيش، وخضعوا لإجراءات مشددة فى دخولهم وخروجهم من المطارات الأمريكية والأوروبية، حيث تم تشديد الخناق عليهم باعتبارهم يمثلون صورة من صور الإسلام الراديكالى.
على الرغم من تعاطف ومؤازرة وتأييد العالم أجمع حكومات وشعوبًا للولايات المتحدة بعد ضربة 11سبتمبر 2001، وبلغ ذلك التأييد إلى حد خروج الآلاف من الشباب الإيرانيين فى طهران تأييدًا للولايات المتحدة، وشجبًا للإرهاب، فإنه سرعان ما تحول كل هذا التعاطف العالمى إلى سخط وغضب عنيف مع إعلان الولايات المتحدة نيتها شن الحرب على العراق، وخرج الملايين من المواطنين فى مختلف أنحاء العلام ضد الحرب، وغدًا نتواصل مع العالم وأمريكا.. وللحديث بقية.