لن تكون الأخيرة

رغم توفر كل شىء حوله وحول أسرته ، الا أن سهيل لم ينل كل ما يريد ، أو هكذا يفكر . فقد طمع في من يحبها وتحبه ويكون معها وتكون معه أسرة سعيدة . ولكن سهيل لم يعثر لها على أثر في ناد ولا بين أصدقاء ولا بين أقارب ولا في موقع عمل ولا لدى خاطبة . لقد طرق كل الأبواب بابا وراء باب ، ولكنه لم يجد أحدا . ولم يدخر والدا سهيل قطرة من دم ولا قطرة من عرق ، الا وبذلاها من أجل أن يجد ابنهما من يحبها ويرتاح اليها ويطمح الى الحياة معها وبداية مشوار العمر . فقد أنهى سهيل دراسته منذ سنوات بعيدة في احدى الكليات العملية المرموقة ، ولم يشأ أن يعمل في وظيقة حكومية أو أن يصبح تحت امرة أحد في القطاع الخاص ، فأسس له أبوه مكتبا لأعمال المقاولة ، وأصبح سهيل من أصحاب الأعمال عقب تخرجه في الجامعة . الأيام تتقدم وتحتل مزيدا من عمر سهيل كل يوم ، وسهيل يرقب الأيام بقلب حزين مكسور ، كلما انتهى يوم عمل وتعين عليه العودة الى بيته وحيدا في قبضة أفكاره . ولكن اصرار والدي سهيل على مساعدة ابنيهما - بكل الطرق – جعل لحياة سهيل لونا كوميديا طريفا . فقد صار يتعرف الى بنات كثيرات وجميلات ومن مستويات عالية ومناسبة ، وصار سهيل مشغولا بمقابلات لا تنقطع مع وجوه وقصص بلا نهاية . وقد صنف سهيل قصصه – ببساطة – ما بين رافض أن مرفوض بالثلاثة ، على حد وصفه . تعب سهيل كثيرا . تعب من خيبة أمله . وتعب من كثرة الضحك على حاله . وتعب من كثرة من رفضهم وتعب من كثرة من رفضوه ، فقرر أن يقوم برحلة لعدة أسابيع الى احدى المدن السياحية االشهيرة ، ليستريح ويجدد أقكاره ، ويعود نشيطا صافي الذهن . هبطت طائرة سهيل في تلك المدينة االساحرة ، حيث وجد الرجل سيارة جميلة في انتظاره لتقله الى القرية السياحية التي حجز اقامته فيها ، فوضع سهيل حقيبته الصغيرة الى جواره برفق وراح يرقب الطريق ويعد نفسه بأيام هانئة وخالية من التوتر ومن الاحباط والفشل ، بينما السيارة تبتلع الطريق في سكينة . أخيرا ، ألقى سهيل جسده المتعب على سرير فخيم في ذلك الجناح الجميل الذي كان في انتظاره ، ليرتاح قليلا ، قبل أن يظهر لاحقا ليستكشف القرية ذائعة الصيت والجمال . ولم تمض ساعات قليلة حتى استيقظ سهيل نشيطا سعيدا ، فارتدى ملابسا أنيقة ، ثم خرج مسرعا . لم يكد سهيل يخطو داخل مكتب استقبال القرية حتى تسمر وبهت كتمثال بارد من رخام ، وظل في مكانه لحظات بلا حراك يرقب تلك الفاتنة الطويلة القامة الأنيقة الملبس وهى تدون شيئا في بعض من دفاتر وضعت أمامها . ثم أفاق سهيل من غيبوبته اللذيذة على صوت نسائي لمضيفة تستفسر عما يمكن أن تقدمه الى الضيف الجديد . فاعتذر سهيل عن سرحانه ، وبادر بالاجابة بأنه يريد معرفة البرامج الترفيهية للأسبوع القادم ، فرحبت المضيفة وساقته في التو واللحظة – لدهشة سهيل – الى الفتاة التي تعلقت بها عيناه وقلبه قبل قليل ، لتقدمه الى مديرتها الأستاذة نانسي . لم يصدق سهيل ما حدث من خدمة الظروف له على هذا النحو ، فابتسم لنانسي مقدما نفسه وطالبا بعضا من الشرح لبرامج الترفيه التي ستقدمها القرية خلال الأسبوع التالي . وراح يدقق النظر الى ملامح نانسي الجميلة ودقة عنايتها بكل شىء في شعرها وملبسها وأظافرها ، ويستمع الى لغتها الأجنبية الرفيعة ، كأنه يشاهد عملا فنيا . وعندما انتهت نانسي من حديثها كان سهيل قد انتهى هو أيضا ، وراح يردد لنفسه أن هذه ستكون الأخيرة . ولم يترك سهيل الفرصة تمرق قبل أن يتبادل مع نانسي أرقام التليفونات ، وهو يطير فرحا وزهوا . فقد كانت نانسي قطعة من الروعة ، ويلفها قدر كبير من الثقة بالنفس مما يجعلك تحار في سرها . عشرة أيام وسهيل يتصل بنانسي ويتقابلان ثم يفترقان ليتبادلا الأحاديث التليفونية الطويلة التي قد تمتد لساعات في بعض الليالي ، قبل أن يخلدا الى النوم . وسهيل يكتشف في نانسي أسبابا للجمال ويزداد فرحا وتقربا اليها ، حتى أوشك أن يبلغ والديه أنه قد عثر أخيرا على من يحب ويهوى . فلم تكن نانسي رائعة فقط ، ولكنها كانت ابنة صاحب القرية ومديرة القرية أيضا وتلقت تعليمها في لندن. أوشكت أيام سهيل الخمسة عشر في القرية على الانتهاء ، وقد صارت المسافات بينه وبين نانسي قريبة جدا ، ولربما أراد سهيل أن يخبر نانسي بحبه لها . وعندما هم بأن يتصل بنانسي ليطلب مقابلتها ، اتصلت نانسي به لتبلغه بأنها ستحضر اليه في جناحه الخاص بنفسها ، فارتبك سهيل لبرهة ، ولكنه رحب على الفور ، وراح ينتظر نانسي . دقائق وكانت نانسي مع سهيل في جناحه الخاص والفرح ثالثهما . قالت نانسي : لقد تقاربنا كثيرا خلال الايام الماضية . ولا أنكر أنك لطيف ووسيم وخفيف الظل وأنني تعلقت بك أيضا . ولكني أحب أن أطلعك على شىء الآن ، وقبل أن نتقدم في علاقتنا أكثر . صمت سهيل وحبس أنفاسه ، بينما انطلقت نانسي الفاتنة تحكي : لقد تربيت خارج مصر وأعرف معنى الحرية . حرية العقل وحرية الروح . وقد جربت ايضا حرية الجسد ، فعرفت من عرفت من الرجال من ثقافات وجنسيات متباينة ، وسمحت لنفسي بما يسمح الرجال لأنفسهم به من التجارب ، وليس لدى ما أخفيه بعد ذلك . مات سهيل للحظات طويلة ظن أنها سنوات ، ثم عاد الى الحياة وهو يتمتم : لن تكون الأخيرة .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;