لست ممن يسعون وراء إثارة الهلع، لكن بعد جمع قطع الأحجية معاً، لا مفرّ أمامي من الاستنتاج بأن إيران لا تطمح فقط إلى السيطرة على المنطقة من خلال الاستراتيجية التي وضعتها في المدى المتوسط إلى الطويل، بل تستهدف أيضاً مكة المكرمة والمدينة المنورة.
يعمل آية الله علي خامنئي منذ سنوات طويلة من أجل تحقيق ذلك الهدف. في سبتمبر الماضي، وجّه سيلاً من الشتائم إلى العائلة الحاكمة السعودية، وانتقد بشدّة دورها في رعاية الأماكن الإسلامية المقدّسة.
وفي مايو الماضي، نُقِل عن وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان قوله: "إذا أقدم السعوديون على تصرّف جاهل، لن نوفّر منطقة واحدة، ما عدا مكة المكرمة والمدينة المنورة".
فردّ عليه الأمير محمد بن سلمان الذي كان آنذاك ولي ولي العهد السعودي، قائلاً: "نعلم أننا هدف أساسي للنظام الإيراني. لن ننتظر حتى تصبح المعركة في عقر دارنا، بل سنعمل من أجل أن تكون المعركة في عقر دار إيران لا في السعودية".
تعي المملكة وحلفاؤها في مجلس التعاون الخليجي جيداً المآرب التي يسعى الملالي الإيرانيون خلف تحقيقها. الهدف وراء قيام إيران بتسليح الحوثيين الشيعة في اليمن وتمويلهم كان إقامة رواق عسكري يتيح للحرس الثوري الإيراني والميليشيات الموالية لإيران الوصول إلى الحدود الجنوبية للسعودية. كان لا بد من وضع حد لهذه المحاولة، وهو أحد الأسباب وراء اضطرار التحالف الذي تقوده السعودية إلى التحرك.
من هذا المنطلق، أريد أن أحذّر قادة دول مجلس التعاون الخليجي من الخطر المستفحل الذي قد يلحق بهم، والذي يتعرّض له ميزان القوى في المنطقة بسبب إيران. تلقّيت، منذ بضعة أيام، خريطة صادمة حقاً.
تُظهر الخريطة أن طهران تفرض هيمنتها على مساحات شاسعة في العراق وسوريا، إلى جانب فرضها سطوتها عملياً في لبنان، كما أنها تنسّق مع قوات الأسد في مسعى متعمّد لشق طريق آمن على طول 1800 كلم عبر البلدان التي تربط طهران ببيروت، ما يُتيح للنظام الإيراني تزويد "حزب الله" وسواه من الميليشيات الخاضعة له بالأسلحة الثقيلة من دون أية عراقيل تعترض طريقه.
بعدما نجح طيّارونا وجنودنا الشجعان على الأرض في منع إيران من شق طريق عبر اليمن، يعمد النظام الإيراني خلسةً إلى تعزيز حضور الحرس الثوري ومقاتلي "حزب الله" في سوريا حيث حققوا مكاسب مهمة ضد تنظيم داعش وسواه من التنظيمات من الطينة نفسها.
في غضون ذلك، اعترفت الدولة العراقية بشرعية "الحشد الشعبي"، وهو عبارة عن تنظيمات شيعية شبه عسكرية تقاتل بالوكالة عن إيران – وتتراوح أعداد عناصره بين 60000 و140000 – وذلك على الرغم من ولائه لخامنئي ومقتدى الصدر، وآية الله علي السيستاني المولود في إيران والمقيم في النجف.
وقد حظي أولئك العقائديون المناهضون للسنّة على شرعية إضافية من الولايات المتحدة التي يعمد "مستشاروها العسكريون" وقواتها الخاصة إلى التنسيق مع تلك الميليشيات الموالية لإيران في إطار المسعى الذي يبذله العراق من أجل تحرير المناطق الواقعة في شمال البلاد من احتلال داعش.
يتشارك العراق حدوداً مع السعودية، وقد يأتي وقتٌ تعمد فيه إيران إلى استمالة المتشدّدين العراقيين وتجنيدهم لمساعدتها في محاولة غزو المملكة العربية السعودية.
تزداد إيران عدوانية يوماً تلو الآخر. فالدولة الراعية الأكبر للإرهاب في العالم لم تعد تحاول التخفّي حول قناع ودود من أجل تهدئة مخاوف المجتمع الدولي.
رداً على إعلان الرئيس دونالد ترامب بأنه يفكّر في ما إذا كان سيُقدم على سحب الولايات المتحدة أم لا من الاتفاق النووي، ورداً على الجولة الجديدة من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على إيران، هدّد الرئيس الإيراني المسمّى معتدلاً، حسن روحاني، بأنه بإمكان بلاده أن تعيد إطلاق برنامجها النووي "في غضون ساعات". هل يتحدّث عن البرنامج النووي الذي لطالما أصرّ المسؤولون الإيرانيون على أنه محض سلمي؟
في عهد "السيد اللطيف"، سُحِقت الأقليات ومجموعات المعارضة السنّية في إيران تحت الأقدام. بحسب آخر التقارير الصادرة عن منظمة العفو الدولية، "ظلّ عرب الأحواز، والأتراك الأذربيجانيون، والبلوش، والأكراد والتركمان عرضةً لتمييز شديد ومتجذّر...".
ينتقد التقرير بشدّة سجل إيران في حقوق الإنسان: "لا يزال الجَلْد والبتر وسواهما من العقوبات القاسية (مثل التسبب بالعمى للأشخاص) ممارسات سائدة" يتعرّض لها المعتقلون، و"ينتظر ما لا يقل عن 78 جانياً من فئة الأحداث تنفيذ حكم الإعدام بحقهم".
كنت آمل بأن يبادر الإيرانيون الذين خاب ظنهم من ثورة 1979 التي أسفرت عن إطاحة الشاه، إلى الانتفاضة لاستعادة السيطرة على بلادهم، وقد نصحتُ القادة العرب بتقديم المساعدة لهم تحقيقاً لهذه الغاية. لكن يبدو أن عدداً كبيراً من الإيرانيين خائف على حياته وحريته إلى درجة أنهم يعجزون عن التحرك ضد الفاشيين الذين يُحكمون قبضتهم على البلاد ومقدّراتها وعلى حياة الإيرانيين بمختلف جوانبها.
عندما انتفض ثلاثة ملايين إيراني تحت مظلة "الحركة الخضراء" عام 2009 احتجاجاً على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية، اعتمدت إدارة أوباما سياسة النأي بالنفس. وكما كشفت الأحداث لاحقاً، كان باراك أوباما يعمل خلف الكواليس من أجل التوصل إلى اتفاق نووي، ولم تكن لديه أية رغبة في تغيير النظام الإيراني. لقد تودّد إلى الملالي عبر توجيه رسائل إليهم لطمأنتهم، تارِكاً الشعب الشجاع الذي نزل إلى الشارع للاحتجاج، يواجه مصيره وحيداً.
أما السياسة التي ينتهجها خلفه في الملف الإيراني فهي مجرد وعيد وتبجّح من دون مضمون فعلي. تعمّ الفوضى في البيت الأبيض، والسياسة الخارجية التي يتّبعها الرئيس الأمريكي عبارة عن خليط ظرفي مشوَّش يتغيّر بحسب مزاجه، هذا إذا لم يعهد به إلى وزارة الخارجية والبنتاغون.
السؤال الأساسي المطروح هو الآتي: هل تستطيع دول الخليج الاعتماد على الولايات المتحدة التي تطبّق سياسة "أمريكا أولاً" وتُبدِّل كثيراً في مواقفها، وهل يمكن التعويل على قادة العالم، وبينهم حلفاؤنا الأوروبيون، للدفاع عنا؟ ماذا لو نجحت العصابات الإيرانية في اختراق الأراضي السعودية، هل نتوقّع رؤية الجنود الأمريكيين يهبّون لنجدة المملكة؟
لا أعرف الجواب، لكنني لست مطمئناً البتّة على ضوء الاستعداد الذي أظهره ترامب للتضحية بمئات آلاف اليابانيين والكوريين الجنوبيين من أجل شطب كوريا الشمالية عن الخريطة إبان تهديد الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، لجزيرة غوام الأمريكية.
ولست مطمئناً أيضاً إزاء قيام إيران باستمالة الدولتَين الصديقتين، تركيا وقطر، اللتين أعتبر أن شعبَيهما يشكّلان عائلة واحدة مع شعوب بلداننا. يوم الخميس، أعلنت قطر أنها سوف تستأنف علاقاتها مع إيران، وتُعيد سفيرها إلى طهران. وتخطط تركيا وإيران معاً لعمل عسكري مشترك ضد المجموعات الكردية.
ينبغي على الرياض وحلفائها الموثوقين إعداد استراتيجية دفاعية متعددة المسارات تقوم على تشارك الاستخبارات، والمراقبة، والدفاع الصاروخي. تتسلّل إيران إلى دول الخليج بواسطة الجواسيس والخلايا النائمة منذ عقود، بهدف إسقاط الحكومات. حان الوقت كي تشرب من الكأس التي جرّعتها للآخرين.
ويجب أن يُطلَب من البلدان المتردّدة أن تحسم موقفها وتعلن بوضوح في أي جهةٍ تقف. تزامناً، يجب سحب الاستثمارات من الدول التي تغرّد خارج السرب وقطع العلاقات الديبلوماسية معها.
تسرح إيران وتمرح منذ فترة طويلة جداً من دون أن يردعها شيء على الإطلاق. لست من المعجبين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنه يدرك جيداً الخطر الذي تجسّده إيران لبلاده والمنطقة.
فقد صرّح مؤخراً للمراسلين: "مما لا شك فيه أن جلب الشيعة إلى الميدان السنّي ستكون له تداعيات وخيمة كثيرة على صعيدَي اللاجئين ووقوع أعمال إرهابية جديدة على السواء"، متعهّداً بالتحرك. إنه متنبِّه جيداً لما يجري. آمل بأن يكون قادتنا مدركين بالدرجة نفسها للسيناريو الذي ينكشف أمام عيوننا والذي قد يكون كارثياً ومدمِّراً، وذلك قبل فوات الأوان.