قررت الولايات المتحدة الأمريكية تخفيض المعونة لمصر بواقع 95.7 مليون دولار كمساعدات، وتأجيل 195 مليون دولار بحجة عدم إحراز تقدم فى مجال احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، فقد غفلت الولايات المتحدة بأنه لم يعد من المقبول لدى الشارع المصرى استخدام المعونة الأمريكية كأداة ضغط على مصر فى أى شأن، وخير دليل على ذلك هو صمود الشعب المصرى أمام إجراءات إدارة أوباما فى تجميد المعونة عقب ثورة 30 يونيو الشعبية.. فلم يعد من المجدى استخدام فزاعات حقوق الإنسان كطريق للتدخل فى الشأن الداخلى المصرى، وإغفال تضحيات الشعب المصرى فى مواجهة الإرهاب، الذى شاركت فى صناعته إدارة أوباما كما وصف ترامب أثناء حملته الانتخابية، فالقرار الأمريكى يتنافى مع دعوات دعم جهود الدول فى مكافحة الإرهاب، ويتسبب فى الإضرار بالمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة ذاتها.
إلا أنهم مازالوا يتساءلون فى ذهول كيف تجرؤ مصر أن تعوقهم، كيف تسعى للخروج من الهيمنة والاستقلال بقرارها الوطنى، كيف يتحرك شعبها ليقرر مصيره مدعوما بجيش نوع سلاحه، فمصر دولة كبيرة فى محيطها لا يجوز أن تكون خارج السيطرة فلابد من لى الذراع إذا اقتضى الأمر، لتعدل عما جنحت إليه، فمن الصعب أن تعرف سياسات الهيمنة الوضوح، فهى الساعية نحو تحقيق الهدف الإستراتيجى الموضوع منذ عقود، ولا يمكن أن يقف فى طريق ذلك أى كيان أو دولة تنفرد بتقرير مصيرها.
فمنذ عقود عكفت قوة الهيمنة فى البحث عن أكثر مل يمكن أن يؤجج الصراعات بين دول إقليم ما أسموه بالشرق الأوسط، فكان الصراع الدينى حاضر بقوة، كيف لا وقد قضت الصراعات الدينية فى أوروبا فى العصور الوسطى على الأخضر واليابس، وسقط فيها ملايين البشر عبر سلسلة من الصراعات الدامية التى لم يوقفها سوى التحضر والرقى والعلم، فالتعصب لأى دين مهما كان هو نتاج للجهل والانغلاق والاهتزاز النفسى وعدم الاتزان الإنسانى، لذلك كان الصراع الدينى والطائفى خيارا استراتيجيا فى إعادة تقسيم الشرق الأوسط للقدرة على السيطرة عليه، حيث تنبسط من المحيط للخليج ثروات العالم وخيراته لسنوات طويلة، كما شهدت هذه البقعة من العالم بعثات الأنبياء وميلاد الأديان، اطلعت على معظم حضارات العالم القديم، وما تركته فى حاضرنا من أثار لا تقدر بثمن.
ومن خلال تحقيق قوى الهيمنة للهدف الاستراتيجى، كان لابد من العمل على عدة عناصر، بداية من تصعيد النعرة المذهبية، إلى خلق كيانات سرطانية تكن بمثابة الخلايا الأولى للورم الخبيث، إذانا بالتفشى فى جسد المنطقة، التى تمنح بين حين وآخر جرعات دواء تبقى على الحياة، ولكن دونما زوال للمرض، التى تحرص قوى الهيمنة على بقائه حتى لا تستفيق تلك الأمم أبدًا، فكانت بالإضافة للعدو الواضح إسرائيل، دويلة قطر إحدى الخلايا السرطانية، التى يجب أن ينتبه حكامها بأن المال قد يشترى ذمما.. ويلوث ضمائر.. ويخرس أصواتًا.. ويملى قرارات.. ولكنه لا يشترى مجدا.. ولا حضارة.. ولا تاريخا.. ولا ثقافة.. ولا يحقن جينات العظمة للشعوب.
فى قرب تحقيق الهدف حيث تداعب الابتسامات شفاه الأدنياء، تطل على حافة التاريخ وجوه طيبة بعيون سوداء حائرة وحناجر صاخبة، فتدمر بتحدى صلب شقى السنين فى اغتصاب الأمم وهتك عرض الأوطان، فتتداعوا علينا لندفع الثمن، حيث أزاح المصريون السرطان من كبد الهوية – الإخوان– هؤلاء الذين عاقوا بالوطن وأهله، ولم يقدروا له ثمنا ولم يبكوا يوما خوفا عليه، بل تباكوا عشقا فى حب الجماعة وطنهم وحظيرتهم، لتتكالب علينا أراذل الأمم بحثا عن الانهيار المنشود الذى قطع جذوره المصريون، ولكن بقى الأمل لديهم فى استعادة فوضى غائبة، من رحم خان يخون إخوان.
فعند بزوغ العلاقة بين الهيمنة وحقوق الإنسان، فيتضح لزاما أن منظمات المجتمع المدنى المشبوهة، والممولة أمريكيًا وأوروبيًا والتى أسست فى عهد مبارك لاسترضاء الأمريكان، كانت أول مسمار فى صناعة نعش المؤامرة المستهدف أن يحمل جثث ملايين المصريين–لا قدر الله–فى إطار الإستراتيجية الأمريكية، لاستخدام ما أسموه فى دوائرهم بالحرب الذكية، للسيطرة على الشرق الأوسط وإعادة تقسيمه دون استخدام آلة الحرب الأمريكية وتكبد مليارات الدولارات.
فالتشويش على العقول، وتبديل الحقائق والدفع نحو الميوعة الوطنية، وتغذية التطرف الفكرى، وإشعال الصراعات الدينية والمذهبية، كل ذلك من صنائع أجهزة استخبارات قوى الهيمنة العالمية والإقليمية، حيث يقدم الاستعمار الجديد المؤامرة، مغلفة بشعارات الحرية والديمقراطية، حتى تصبح مغرية فتتحول لمطلب مُلح، وحلم يداعب الشعوب المستهدف تقسيم بلدانها، فالاستعمار القديم قد قسّم الوطن العربى إلى دول كبيرة ودويلات، حفاظًا على حالة تناحر ممتدة، تضمن وجودًا غربيًا مستمرًا، على مدى عقود متتابعة فى منطقة الشرق الأوسط.
فمصر كانت ومازالت، فى قلب مرمى نيران هذه المخططات، وهو ما تؤكده تبعات سقوط الطائرة الروسية بسيناء، ومقتل ريجينى، ومواقف دول الغرب التى تفضح المؤامرة، دون أدنى مواربة، فمازالت العين على سيناء كوطن بديل للفلسطينيين، لحل أزمات الدولة الصهيونية، فيتم الدفع نحو نشر قوات دولية لاحتلال سيناء بالذريعة المعتادة، وهى محاربة الإرهاب الممول والمدعوم من الغرب، بجانب إشغال الجيش المصرى وصرفه بعيدًا عن صفقات التسليح التى باتت تزعج الصهاينة، إلى حد أنهم وصفوها بأنها تمثل خطرًا على وجود دولة إسرائيل.
فخطر منظمات المجتمع المدنى المشبوهة «أهل السبوبة» مازال داهمًا وقائمًا فى تخريب العقول، وفق خطة مخابراتية فى إضعاف الجبهة الداخلية، وتغذية الانقسام المجتمعى، فى الإيهام بأن أى حديث عن مؤامرة، فهى مؤامرة من أجل إرساء حكم ديكتاتورى، ليتحول البعض دون إدراك، إلى وقود يغذى المؤامرة ويقويها، بإنكار وجودها، والسخرية عند ذكرها، فلابد أن يسعى كل أطياف المجتمع، نحو إرساء السلام الاجتماعى، بعيدًا عن بؤر التطرف الفكرى، لتقوية وتدعيم الجبهة الداخلية، فهى حائط الصد المنيع، فى مواجهة أى مؤامرة مهما كان حجمها.