الأخبار المضللة Fake News تهدد الديمقراطية وصناعة الأخبار

تمارس المؤسسات الأمريكية أو الأوروبية، سواء كانت حكومية أو خاصة، كل أعمالها بمهنية عالية ودقة متناهية، بما فى ذلك الكذب والتضليل، أو كما يقال بالعامية «اللوع»، أقول هذا بعد أن قرأت إعلانًا رسميًا صادرًا عن شركة فيس بوك، قرأته باللغتين العربية والإنجليزية حتى أثبت دقة الترجمة، وأكتشف فنون اللف والدوران واللوع، التى تمارس بمهارة عالية، وأساليب غير مباشرة، تحمى صاحبها من المساءلة القانونية أو الأخلاقية، وتذكرت بمرارة أن مؤسساتنا تكذب بوضوح وفجاجة، وتنتج وتروج أوهامًا وأخبارًا مضللة Fake News لا يصدقها عقل، ومع ذلك تحقق أهدافها وتضلل الرأى العام، وتتلاعب بمشاعره ومواقفه، ولا أحد يدرى أو يحقق. قبل يومين أعلنت شركة فيسبوك اكتشاف حملة بتمويل روسى استُخدمت فى بث رسائل مثيرة للشقاق الاجتماعى والسياسى، عبر شبكة التواصل الاجتماعى، وقالت الشركة: إن 100 ألف دولار أُنفقت على نحو 3000 إعلان خلال عامين حتى مايو/ أيار 2017، ولم تدعم الإعلانات أى شخصية سياسية على وجه الخصوص «فى إشارة إلى حملة الانتخابات الأمريكية التى فاز فيها ترامب»، لكنها انطوت بدلاً من ذلك على موضوعات شملت الهجرة والأصول العرقية والمساواة فى الحقوق. وقامت فيس بوك بإغلاق هذه الحسابات، وأشارت الشركة إلى أنها تتعاون مع تحقيق أمريكى فى هذا الصدد، وتقصد هنا التحقيق فى اتهامات بتدخل روسى فى الانتخابات الأمريكية، وأعربت فيس بوك عن اعتقادها بأن الحسابات أُنشئت بواسطة «وكالة بحوث الإنترنت»، وهى جماعة مقرها فى سانت بطرسبرغ فى روسيا، ومعروفة بنشر رسائل مؤيدة للكرملين عبر وسائل التواصل الاجتماعى، لكن بعد كل ذلك قالت فيس بوك: إنه ليس بمقدورها تأكيد الأمر على نحو مستقل. كلام فيس بوك لا يدينها، أو حتى يتهم بشكل صريح وكالة روسية بالتدخل فى الانتخابات، وإنما ينفى أن هناك أطرافاً أساءت استخدام الشبكة فى الانتخابات الأمريكية، ووظفتها لصالح ترامب، كما تردد على نطاق واسع، حيث تداول مستخدمو الشبكة أخبارًا كاذبة ومضللة عن ترامب وكلينتون، قيل إنها أثرت على حظوظ كل منهما فى الفوز، وصبت فى مصلحة ترامب، مثل كذبة أن البابا يؤيد ترامب، التى تم تداولها كخبر بين مستخدمى الشبكة، وهو خبر لا أساس له من الصحة يسمى حاليا Fake news، لكنه وغيره من الأخبار المضروبة أثر فى مواقف بعض الناخبين لصالح ترامب، وكان يفترض أن تحجب فيس بوك هذه النوعية من الأخبار، التى كانت تصدر عن مواقع وحسابات بعضها كان مزيفًا، لذلك تعرضت فيس بوك لانتقادات واسعة، رد عليها مؤسس فيس مارك زوكربيرغ بالقول: «إن المزاعم بأن الأخبار الكاذبة فى فيسبوك أثّرت على الانتخابات هو نوع من الجنون»!! لكن يبدو أن هناك تأثيرا أثبتته عديد من الدراسات والبحوث الأمريكية عن تأثير الأخبار الكاذبة أو المضللة Fake news عبر وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإخبارية غير المعروفة على نتائج الانتخابات الأمريكية، أى أن فيس بوك ليست المسؤولة الوحيدة عما حدث، لكنها أحد أهم الساحات التى جرى من خلالها بث والترويج للأخبار المضللة Fake news، وهذه الظاهرة أثارت موجة من المخاوف فى العالم على حياد ونزاهة الانتخابات والممارسة الديمقراطية، والأهم آثارها المدمرة على صناعة الأخبار ومستقبل الميديا، وثقة الناس فيما يقدم لهم من أخبار وقصص إخبارية، المعنى أننا فى أزمة وتحدٍ يواجه البشرية، فيما يتعلق بتداول الأخبار وقصص التسلية والترفيه ورشادة الرأى العام والممارسة الديمقراطية. والحقيقية أن العالم عرف الأخبار الكاذبة والمتحيزة وأنواع الدعاية منذ أكثر من قرن من الزمان، حيث ظهرت فى أواخر القرن التاسع عشر، لكن لم تكن لها سرعة النفاذ والانتشار، فلم تكن الأخبار تنتقل بهذه السرعة والسهولة بين مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى، الذين ارتفعت أعدادهم على نحو مثير، وغير مسبوق، من هنا ظهرت Fake news كوصف أو تعبير جديد عن الأخبار الكاذبة والمضللة، التى كانت تطلقها بعض الصحف والمجلات فى العقود الماضية، وكان من الممكن ملاحقتها قضائيا، أما الآن وفى عصر الإنترنت والسوشيال ميديا، فقد أصبح من الصعب ملاحقة المواقع الوهمية أو الصفحات المزيفة، التى تبث هذه النوعية المضللة والكاذبة من الأخبار، أما المهمة الأصعب فهى احتواء الآثار السلبية لـFake news بين نوعيات من الجمهور، التى قد تكتفى بتصديق هذه الأخبار ونشرها، واتخاذ قرار بالتصويت لصالح أحد المرشحين أو الأحزاب فى ضوء ما ورد فيها من أكاذيب. والمشكلة أن قطاعات أخرى من الجمهور قد تكتشف زيف بعض الأخبار، ولا تتأثر بها، لكنها ستفقد الثقة فى الأخبار وفى وسائل الإعلام، لأنه فى بعض الأحيان تقوم صحف ومواقع إخبارية وقنوات تليفزيونية بنقل خبر كاذب أو مضلل عن موقع إخبارى غير معروف، وهو خطأ مهنى فادح، لكن للأسف تقع فيه بعض وسائل الإعلام الكبيرة نتيجة للمنافسة، والجرى وراء السبق، والرغبة فى زيادة أعداد القراء أو الترافيك، فمعظم الـFake news تحتوى على عناصر جذب هائلة، تجعل من الصعب على بعض الصحفيين تجاهلها أو عدم الإشارة إليها، وهذا ما حدث تقريبا فى مصر قبل أسبوعين، عندما نقلت صحيفة كبيرة وعريقة خبرًا مزيفًا عن القبض على فنانة مشهورة وزوجها وبحوزتهما مخدرات، وهو خبر عار تمامًا من الصحة، لكنه كان فى صدارة وسائل التواصل الاجتماعى، إذن السؤال الذى يطرح نفسه، كيف يقاوم الصحفيون إغراء نقل الـFake news وكيف يعملون على كشفه؟ كذلك كيف يكتشف المواطنون الأخبار المزيفة ولا يقعوا ضحية سهلة لها؟ وهو ما أناقشه فى المقال القادم.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;