لا تعرف ما الذى يحدث للناس، فالمنطق فى الحياة أن يتحرك الإنسان عن طريق العلم والمعرفة إلى الأمام سعيا لتحقيق مصالحه ومصالح أمته، متخذا رؤية أوسع وعالما أرحب، لكن البعض لا يزالون يدورون فى دائرة مغلقة لا يعرفون منها خلاصا، ولنا فى بعض رجال الفقه فى مصر نموذجا ومثالا مكتملا.
حكاياتان غريبتان حدثتا فى يومين متتاليين، الحكاية الأولى هى أن الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، قال فى فيديو نشرته دار الإفتاء المصرية، ردا على سؤال «هل الحظاظات والسلاسل حلال للولاد؟» أجاب قائلا «لبس الحظاظات والسلاسل هى للبنات فقط، بينما إذا لبسها الشاب فهو «عارف وضعه إيه».
الحكاية الثانية والأغرب هى ما ذهب إليه الدكتور صبرى عبد الروؤف، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر، حيث أفتى أن معاشرة الزوج لزوجته الميتة حلال ولا يعد «زنا» ولا يقام عليه الحد أو أى عقوبة، لأنه شرعيا أمر غير محرم لأنها زوجته.
وقال أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر: «الأمر حلال لأنها زوجته وعاشرها فهنا لم يرتكب إثما أو ضررا، وشرعا هذه زوجته، وشرعا له الحق أن يغسل زوجته فهنا يلمسها، فهو أمر حلال، وهنا لم تعد هناك أى مخالفة شرعية، ولكنه أمر غير محبب اجتماعيًا».
وأطلق الدكتور على الأمر «معاشرة الوداع» ورأى أنه غير مخالف شرعا وحلال، ولكنه غير مألوف إنسانيا وتعفه النفوس.
نعود للحكاية الأولى الخاصة بالشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، فمن الواضح جدا أنه لم يفهم المقصود بدعوة تجديد الخطاب الدينى على المعنى الصحيح، وظنها مجرد تبسيط فى اللغة بحيث يتحدث بلغة شبابية فيقول «عارف وضعه» وغير ذلك، وربما رأى فى ذلك تواصلا مع عدد أكبر ممن يبغون الفهم والمعرفة ولا يريدون أن يتنفسوا أو يحركوا أيديهم ولا أرجلهم ولا يقوموا من مكانهم إلا بفتوى تجيز ذلك أو تحرمه، لكن الشيخ أحمد ممدوح فى ظل سعيه لتوسيع دائرة اتصالات بشريحة أكبر من الجمهور نسى شيئا مهما، وهى الفتوى ذاتها.
ما نعرفه عن منح الفتوى، هو ألا يكون الكلام مواربا على طريقة «تلقيح الكلام»، لأن قاصد الفتوى يريد توضيحا لكل لفظة، لذا كان على الشيخ أحمد رفعت ألا يجدد خطابه لدرجة إسقاط أركان الفتوى، كان عليه أن يقول ما نتوقعه من رجل الدين القائم بحق الإفتاء فيقول ما يشاء معتمدا على القرآن والسنة وأقوال العلماء كأدلة فيقول مثلا «السلاسل والحظاظات للبنات فقط حسب نص كذا أو رأى فلان وفلان أو حسب ما أجمع عليه العلماء أو غير ذلك من أدلة يسوقها إلينا، ثم يقول أما ما يتعلق بالأولاد والسلاسل فالحكم كذا وذلك اعتمادا على نص كذا وكذا وقول العلماء فى ذلك ويسوق لنا ما يؤكد قوله من أدلة وبراهين، لكن التبسيط «المخل» الذى يجعلنا نقول «أين الفتوى؟» فهو أمر غير حميد، وعلى الشيخ أحمد ممدوح ألا يستمع للأغانى الشعبية كثيرا لأنها تفسد اللغة والمنطق.
أما الحكاية الثانية المتعلقة بالدكتور صبرى عبد الروؤف، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر، حول معاشرة الزوج لزوجته الميتة، فهو لا يستحق الرد عليه، وكان الله فى عونه.