مر القانون عبر التاريخ بمراحل تطور طويلة وشاقة وتأثر بالظروف الاجتماعية والمعرفة الثقافية والقدرة المادية، حيث ظهر فى شكل رؤى عُرفية وحكمة ذاتية للفصل فى المخاصمات، وفى حل المشكلات العامة والخاصة، حتى وصل الفكر السياسى فى أوروبا عن طريق الفلاسفة والقانونيين إلى صياغات تشريعية وقانونية تخطت الفوارق الاجتماعية والخلافات الدينية والتفاوتات الثقافية لكى يتحقق العدل بين البشر دون تمييز أو فوارق أو استثناءات على أى أساس، حيث عرف مصطلح المواطنة الذى يحقق المساواة والعدل بين الناس، فيصبح لا سبيل غير الخضوع لهذا القانون.
ومصر منذ أن عرفت الدساتير كان من المفترض أن نحتكم إلى القانون، خاصة بعد الموافقة على دستور 2014 الذى عظم الحقوق، وأكد على الحريات، وسعى إلى تجسيد ما يسمى بدولة المواطنة والقانون. فهل نحن بالفعل يمكن أن نقول إننا قد أصبحنا دولة القانون؟
بكل وضوح فالواقع والممارسات تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الحديث عن تطبيق القانون حديث نظرى شعاراتى لا نرى له أثرًا على أرض الواقع.
والكلام عن تجسيد دولة القانون قد أصبح حلمًا نتباعد كثيرًا عن تحقيقه. دليل ذلك هذا الواقع الذى تحول إلى كانتونات ومقاطعات ونقابات وطبقات وقبائل كل منها لا يرى غير مصلحته الذاتية، ولا يسعى لغير تحقيق مصلحة جماعته، أو طبقته، أو نقابته على حساب الجميع وإهدار لقدسية القانون. فأين دولة القانون التى تردع تلك الممارسات التى تنسب إلى جهاز الأمن، حتى لو كانت فردية، مثل ما حدث فى واقعة الاعتداء على أطباء المطرية ومن أمناء شرطة من المفترض أنهم يحافظون ويعملون على تطبيق هذا القانون وليس قانونهم الخاص. وما هو هذا القانون الذى أعطى الأطباء ونقابتهم الحق القانونى فى غلق المستشفى حتى ولو كانت خاصة، بالرغم من أنها حكومية، فالأخلاق الطبية لا تجيز لهم هذا السلوك الذى يصفى حسابات شخصية مع مرضى لا نصير لهم فى أمراضهم غير الله سبحانه وتعالى. فهل قد أصبح قدرنا أن نرضخ ونستسلم لتلك الممارسات التى تؤكد أن بعض أفراد الشرطة غير الملتزمين هم فوق القانون وفوق البشر، ويجب أن يسود تعاملهم بمبدأ القوة فوق القانون؟
نعم من حق نقابة الأطباء أن تحافظ على كرامة الأطباء ولكن بالقانون، وبالتمسك به، والإصرار على تطبيقه، وليس عن طريق التظاهرات والإضرابات والتهديدات، وإظهار العين الحمرا، فهذا طريق خطأ وخطر، خاصة فى ظل الظروف التى يعيشها الوطن، حيث سيفتح الباب واسعًا لمثل هذه الممارسات التى يمكن استغلالها أسوأ استغلال.
كما أن النقابة ومن حقها رد كرامة الأطباء لما نالهم من اعتداءات مرفوضة بالمطلق أن تمارس على أى مواطن مصرى. ولكن أين النقابة من الحفاظ على سلوكيات المهنة وشرفها؟ وأين النقابة مما يحدث الآن من تحويل الطب إلى تجارة لا ضمير لها ولا أخلاق ولا رحمة؟
وهنا بالطبع لا نعمم، وهناك الأغلبية من الأطباء مازالوا يمارسون المهنة بأخلاقياتها وإنسانيتها المعروفة. لا شك أن واقعة المطرية وسلوك أمناء الشرطة ورد فعل الأطباء والنقابة أكد أن القانون فى أجازة، وهذا يمثل خطورة حقيقية على الوطن. فلا وطن بغير توحد حقيقى وتوافق فعلى وحوار مثمر وتطبيق وتفعيل حاسم وحازم للقانون على الجميع بلا استثناء ولا تهاون من الرئيس إلى الخفير، حتى تكون مصر بحق لكل المصريين.