فى أواخر الثمانينيات وطوال التسعينيات من القرن الماضى كان الإرهاب الأسود يحاصر المجتمع المصرى بالاغتيالات والتفجيرات، ولم تكن الوسائل الأمنية وحدها هى من تتحمل مسئولية مواجهة هذه الأفكار، فبالتوازى مع الجهود الأمنية لم تنسحب القوة الناعمة من المشهد ولم تترك الساحة أمام هذا المد الضارى للعنف، بل قدمت السينما المصرية عددا من الأفلام التى حاربت الإرهاب بشكل واضح وصريح لعل أبرزها أفلام: «الإرهاب 1989» و«انفجار 1990» و«الإرهاب والكباب 1992» و«الإرهابى 1994» و«الخطر 1990» و«الناجون من النار 1996»، و«الآخر 1999». ولم تقتصر المواجهة على الأعمال التى تتصدى للإرهاب الجسدى والمادى فقط، فهناك أيضا من الأفلام ما تصدى للإرهاب الفكرى، أهمها فيلم «المصير 1997» وتدور أحداثه فى القرن الثانى عشر الميلادى، فى الأندلس، حيث يتعرض العالم ابن رشد لحرق كتبه مرة من قبل الجماعات المتطرفة ومرة أخرى على يد الحاكم المنصور الذى يتخلى عن صداقته له، وينحاز لتلك الجماعات حتى يقفوا بجانبه وولده مواجهة الإسبان. ومع العقد الأول من الألفية الثالثة وجدنا أيضا أفلاما تعرضت للظاهرة، منها دم الغزال 2006 الذى استُوحى من شخص أطلق على نفسه (أمير دولة إمبابة) 1994، ويتعرض الفيلم للعشوائيات التى تعد منشأ العنف، وضحايا تلك الظروف، وأهمهم الفتاة اليتيمة التى قتلت نتيجة مطاردة الأمن للإرهاب، والطبال الضعيف الذى لجأ للجماعات الدينية المتطرفة للاستعانة بهم فى الانتقام من البلطجى الذى أهانه قبل ذلك، ويتمسح فى الدين لفرض شخصية زائفة.
هى أعمال وإن كان عليها بعض المآخذ مثل الكوميديا الزائدة فى بعضها التى انحرفت بالموضوع قليلا عن جديته وهدفه، ولكن مع ذلك كان صناع هذه الأفلام على قدر كبير من المسؤولية فى التصدى لقوى الشر والوقوف فى وجهها، رغم ما يتهدد حياتهم وما قد يجلبه عليهم ذلك من ويلات قد تصل لحد التصفية الجسدية. إلى جانب هذه الأعمال، أيضا نجد أفلاما تعرضت للظاهرة بشكل غير مباشر فى تضاعيف أحداثها، مثل: «حين ميسرة»، و«عمارة يعقوبيان»، و«طيور الظلام»، و«إنذار بالطاعة». هذا كان عندما كانت القوة الناعمة تقوم بالدور المنوط بها والفاعل فى مواجهة قوى الظلام.
واليوم أشبه بالبارحة من حيث تكرار موجة الإرهاب سواء الجسدى أو الفكرى، بل علت موجته لتجتاح مناطق كثيرة من العالمين العربى والغربى، وسيناء تئن من وطأته، وليس أشبه بالبارحة من حيث الموقف المستأنس من قبل القوة الناعمة فى مصر، وهنا يطرح السؤال نفسه: أين السينما من الإرهاب الآن، خصوصا فى مصر؟ وإذا أردنا أن يكون السؤال أكثر دقة وتخصيصا: أين السينما من الإرهاب الموجود فى سيناء؟ أين بطولات جنودنا وقواتنا المسلحة هناك من سينمانا؟ إذا كان معظم الأفلام التى تعرضت لظاهرة الإرهاب كانت تحصره فى نطاق جغرافى معين حسبما يمثله الواقع، سواء الإرهاب فى عمليات داخل العاصمة أو الصعيد، فإن الوضع الآنى يفرض على صناع السينما تقديم أعمال تكون مهمتها تسليط الضوء على ما يجرى فى سيناء وفضح شراذم التطرف.
يا سادة، نحن منذ سنوات نكاد نعدم منتجا سينمائيا محترما، ولعل خير دليل على ذلك خروجنا من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الأخيرة بـ«صفر كبير» من الجوائز، بعد مشاركة أفلام بالمهرجان عليها علامات استفهام كبيرة من النقاد، من حيث المحتوى والرسالة، وإذا سئل منتجوها أو القائمون عليها عن ذلك أجابوا بأنهم ينقلون الواقع، وكأننا عدمنا من الواقع كل شىء ألا المسفّ منه والردىء، والقضايا التافهة.
لا أعرف سببا حتى الآن فى تأخر خروج مثل هذه الأعمال للنور، لا أظنه المادة المكتوبة، فلدينا الدراسات والأبحاث الدقيقة بالمئات يمكن تحوير بعضها بسهولة وعمل سيناريو ممتاز عن الأحداث مدعوما بمادة فيلمية وتوثيقية حقيقية عن جرائم الإرهاب فى سيناء وبطولات جنودنا هناك، وعلى الفنانين أن يقدموا بعض التنازلات فى أجورهم إذا كانت مصلحة هذا الوطن تدخل فى حسابات فنهم، وليدعوا التصريحات الجوفاء فى وسائل الإعلام وعلى صفحات الصحف لأصحابها وينشغلوا بمواجهة قوى الظلام وقبحها بجمال فنهم، لنسف العنف والأفكار المتطرفة قبل أن تنسفنا هى.
إذا كان فنانو الدرجة الأولى أعمتهم نجوميتهم عن مثل هذه الأعمال وقنعوا من الفن بما يتقاضون عليه أجورا باهظة فيبقى الأمل معقودا على شباب الفنانين الصاعدين، فالآن يعرض بدور العرض تجربة شبابية خالصة هى فيلم «أسد سيناء» لمجموعة من الفنانين الشباب عمرو رمزى ورامى وحيد وحسن عيد وعمرو صحصاح وحمدى الوزير جسدوا من خلاله بطولات الجيش المصرى فى سيناء أثناء حرب أكتوبر، فهل تكون هناك تجربة أخرى أخرى توثق ما يجرى هناك الآن.