هذه هى مصر اللغز، الذى يعجز الكثيرون عن حله أو إيجاد الإجابة المنطقية له، فكيف تستطيع هذه الأمة أن تتحول سريعًا من الكبوة إلى المجد، كيف استطاعت أن تحول نكسة 67 إلى نصر عظيم بعد 6 سنوات فقط فى حرب أكتوبر 73، وكيف أفلت هذا الشعب من شرك الإخوان، وأطاح بتدابير الدول الراعية لهم، فاستفاق بعد سنوات قليلة من الطعنات، ليجهز على محور الشر ويسقط عنه ورقة التوت، لتنكشف عورته أمام عالم متخاذل، لكنه لم يعد يستطيع أن يدافع عن حقوق الإرهاب.
ما حدث على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة للوفد المصرى، من احتفاء واحترام من ممثلى الدول ليس مصادفة ولا مجملة يفرضها البرتوكول، وإنما هو حصاد سنوات من النجاح على المسرح الدولى فى تقديم نموذج احترمه الجميع، ولم يستطع أن يقاومه أبناء الأباليس والمتربصين، فماذا يصنعون فى مواجهة دولة تمارس سياستها الخارجية بشرف، فتبحث عن عدالة غائبة عن عالم يسوده الاستقطاب وإقليم أنهكته الصراعات.
مصر بالأمس كانت بالكاد تدفع عنها بلاء أراذل الأرض، لتجبر العالم اليوم أن ينظر لها بشكل مختلف يسوده الاحترام، حيث قدمت تضحيات وخطوات جادة وفعالة فى مواجهة الإرهاب، ولفتت أنظار العالم فى مساعدة اللاجئين بدون متاجرة، ومواجهة الهجرة غير الشرعية، وتجديد الخطاب الدينى، وإحياء عملية السلام والسعى نحو حل القضية الفلسطينية على أساس عادل، كما أن مصر دائما ما تتقدم على الصعيد الدولى بطرح رؤى لحل مختلف القضايا العالقة، وهى التى جعلت العالم ينصت لمصر بدقة حول تلك الرؤى القيمة.
إن كانت لغة المصالح هى التى تسود فى العلاقات الدولية، فحجم المصالح يحكم مدى الحرص على العلاقات، هكذا مصر تحركت على الصعيد العربى والإفريقى والدولى، فعلى سبيل المثال فقد باتت مصالح أوروبا لا تقل بأى شكل من الأشكال عن المصالح المصرية لدى الأوروبيين، فى ظل دور محورى لمصر فى درء الإرهاب عن المنطقة، وهو ما ينعكس على أمن أوروبا ككل، وجهود مصر الرامية فى مكافحة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة للاتفاقيات العديدة الاقتصادية والبترولية الموقعة بين مصر والشركاء الأوروبيين.
فقد شهدت علاقات مصر الدولية تطورات كبيرة خلال السنوات الماضية، خاصة أن بعض الدول كفرنسا وألمانيا كان لها موقف سلبى تجاه ما حدث فى مصر فى 30 يونيو 2013، واستمر موقف هذه الدول لفترة حتى كسرت الدبلوماسية المصرية الجمود، ففتحت آفاقًا جديدة وعززت المصالح المتبادلة فشهدت العلاقات انفراجات وصلت ذروتها فى العام الحالى.. فقد تبلور زخم العلاقات بين مصر وعدد كبير من الدول فى عقد الاتفاقيات وكسب التأييد الدولى فى كثير من القضايا، فقد بتنا أمام مرحلة جديدة بعد ما أيقن الجانب العالم حقيقة ما حدث فى مصر فى السنوات الماضية، وخاصة بعد اكتوائه من الإرهاب وتأكده بأن استقرار مصر أمنيًا، ينعكس على استقرار كل المحيط الأورومتوسطى والعالم أجمع.
كما بادرت الكثير من دول العالم ذات التأثير فى السياسة الدولية للتقارب مع مصر، باعتبارها الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب فكريًا من خلال مؤسسة الأزهر، وما أسفر عنه من تطلع ليكون لمصر دور فى الخطابة بالمساجد الغربية، ونشر سماحة الدين الإسلامى بأوروبا، خاصة أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، كان له أكثر من زيارة لدول أوروبية فى الفترة الماضية، وهو ما يعزز من دور لأزهر خلال الفترة المقبلة فى محاربة الأفكار التكفيرية عن الإسلام فى الخارج.
كما أن حسن إدارة ملف العلاقات الخارجية له أيضًا انعكاسات إيجابية على العديد من الملفات الاقتصادية، وعلى رأسها جذب الاستثمار والسياحة، فى ظل ما يملكه السوق المصرى من مقومات تأهله ليكون من أكبر أسواق المنطقة، لكن مازلنا نحتاج لإزاحة أكوام الفساد والبيروقراطية والتعطيل.
وبعيدًا عن كل ما مضى، وجب الوقوف على أسباب تغير الموقف العالمى تجاه مصر فى الفترة الماضية، التى ترجع أسبابه إلى أن العالم بات يدرك أن جماعة الإخوان هى أصل كل الجماعات الأصولية حول العالم، وإدراك هذه الحقيقة وضح بعد أن بدأ العالم يعانى من إرهاب تلك الجماعات خلال الفترة الحالية.
فقد بدأت أوروبا تنتفض ضد كل الجماعات، التى تتبنى العنف، أو حتى التى تنشر أفكارًا متطرفة، وقد ثبت بالدليل القاطع أن الإخوان متورطون فى العنف، ولا يسعون للسيطرة على الشرق الأوسط فقط، بل العالم كله من خلال تطبيق نظرية أستاذية العالم، فالغرب الآن يعيد تقيم ومراجعة نظرته ومفهومه عن الإخوان، وقد يكون ذلك تمهيدًا لاتخاذ إجراءات ضدهم.
أستطيع القول بكامل الارتياح، بأن مصر تحقق نجاحات رائعة على مستوى السياسة الخارجية، وأننا استطعنا أن نجبر الجميع على احترام إرادة المصريين فى ثورة 30 يونيو، إضافة لذلك واجهنا ومازلنا نحبط مخططات التخريب الممنهجة فى علاقتنا مع شركائنا الدوليين، وهو ما تسعى له قوى إقليمية ودولية، ففى فترة ما بعد ثورة 30 يونيو، كان هناك سعى لخلق عُزلة دولية على مصر، فأى دولة كانت تشهد تقاربًا من مصر اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا تقع حوادث تآمرية أو إرهابية، وهو ما حدث مع روسيا وإيطاليا وفرنسا، لكن المحروسة دائمًا تجابهه.
وفى النهاية، دعونا نتأمل الدور المصرى خلال البضع السنوات الماضية، وهو ما شكل جبهة مضادة لمحور الشر، حيث تحركت مصر على الصعيد السورى فأقرت الهدن برعاية مصرية، وتحركت على الصعيد الليبى فعقدت لقاءات بين الفرقاء الليبيين فى مسعى وحدة الدولة الليبية، وتحركت على الصعيد الفلسطينى فوحدت الصف لاستئناف المفاوضات، وقادت مع الرباعى العربى معركة حامية الوطيس فى مواجهة دول الشيطان الداعمة للإرهاب، فكيف لا يمكن أن يحترمنا العالم.