بحكم دراستى للآثار الإسلامية فى كلية الآثار جامعة القاهرة أحمل شغفا كبيرا لما أنتجته «فارس» من إنجازات حضارية مميزة سواء قبل اعتناقهم للإسلام أو بعده، فالشخصية الثقافية الفارسية من أكثر الشخصيات الثقافية رسوخا فى المنطقة، والبصمة الفنية لشعب «فارس» من الصعب تجاهلها، وهو الأمر الذى جعلنى فى اشتياق دائم لزيارة إيران والتمتع بمعايشة تلك الروح التى أنتجت هذا الفن، وبرغم هذا لم أمتلك سوى رفض أول دعوة جاءتنى لزيارة طهران، كان هذا بعد 25 يناير 2011 مباشرة، حيث اتصل بى شاب يتكلم العربية بصعوبة ليخبرنى باختيارى للمشاركة فى مهرجان شعرى فى إيران، فى الحقيقة سعدت فى أول الأمر كثيرا بهذا الاختيار، لكنى لا أعرف لماذا طلبت منه أن يرسل إلى دعوة رسمية عبر الإيميل ولماذا طلبت أيضا برنامج المهرجان كله وأسماء الحضور، وحينما جاءنى الإيميل حزنت كثيرا لأنه كان يحمل فى طياته كل أسباب الرفض، برغم كل أسباب الاشتياق.
من خلال الرسالة، علمت أن المهرجان يحمل اسم «شعراء الصحوة الإسلامية» وفى الحقيقة أنا ضد تصنيف الشعر عامة وشعرى خاصة تحت أى مظلة أيديولوجية، ناهيك عن أنى لا أكتب شعرا يحتمل أن يكون «إسلاميا» بأى شكل، ولهذا أيقنت من أن هذه الدعوة جاءتنى بطريق الخطأ، وبعد السؤال والبحث والاستفسار، علمت أنهم يقصدون بكلمة «شعراء الصحوة الإسلامية» الشعراء المنتمين لثورة يناير، فهم يطلقون اسم «الصحوة الإسلامية» على ثورة يناير، وهكذا يصدرونها إلى شعبهم، عبر تزييف المصطلح وتمريره فى كل القنوات الممكنة، ومن هنا أيقنت أننى إن قبلت المشاركة فى هذا المهرجان فإنى أيضا أشارك فى تزييف وعى، كما أشارك فى تمرير الأكاذيب، وأسهم دون وعى فى إلصاق ثورة يناير بـ«إيران» التى تزعم أن «ثورتنا» امتداد لثورتها.
تذكرت هذه الواقعة اليوم وأنا أطالع العديد من التقارير الصحفية حول أكاذيب الترجمة الفورية لكلمة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى اللغة الفارسية والتى بثها التليفزيون الإيرانى، فقد قال ترامب إن إيران «دولة مارقة.. تتمثل صادراتها الأساسية فى العنف وإراقه الدماء والفوضى». فكانت الترجمة «إيران تتحدث عن تدمير إسرائيل»، وقال: «بغض النظر عن القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة، ما يخشاه القادة الإيرانيون أكثر هو شعبهم»، فكانت الترجمة: «جيش الولايات المتحدة قوى جدا والأمة الإيرانية أمة قوية جدا»، وقال: «ما يدفع النظام (الإيرانى) إلى التضييق على الوصول إلى الإنترنت، لكى لا يرى الإيرانيون لحظات إطلاق النار على المتظاهرين العزل ولحظات سجن من يريدون إصلاح النظام السياسى»، فكانت الترجمة: «تشهد إيران الكثير من الحوادث التى هى غير مقبولة من وجهة نظرنا».