ليس مقبولاً الصمت على مخالفات بعض الأمناء
مع تعدد وتكرار حوادث أمناء الشرطة يبدو للمواطنين فى مصر أن زمن أمير الأمناء حاتم فى فيلم «هى فوضى» يعود تدريجيا ليحكم الأمن ويتحكم فى وزارة الداخلية من جديد، ويسترجع مشاهد تسببت فى الثورة على نظام مبارك ووزير داخليته.
حادثة اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية لم تهدأ، حتى نفاجأ بإطلاق أحد الأمناء النار من مسدسه الميرى على سائق توك توك فى الدرب الأحمر لسبب غير أمنى ولنزاع ومشادة كلامية دفعت الأمين إلى استخدام سلاحه. وبالتزامن معها واقعة تحرش بإحدى السيدات بالمترو.. وغيرها الكثير من الحوداث التى كان- ومازال- البطل أو الأبطال فيها هم أمناء الشرطة بإشارات العودة الكريهة إلى الممارسات والأفعال داخل وخارج أقسام الشرطة.
حتى لا نظلم الجميع، فليس من الإنصاف أن نعمم الاتهامات على جميع أمناء الشرطة فى مصر، فكل مهنة ووظيفة فيها الصالح والطالح والشريف والفاسد، فهناك 450 ألف أمين شرطة فى جهاز الأمن الداخلى، وبالتالى لا يمكن تعميم جرائم عشرة أو عشرين أو ثلاثين أمين شرطة على باقى الأفراد. لكن هذا ليس تبريرا لتغول هؤلاء الأفراد وإساءة استخدام السلطة والنفوذ مرة أخرى، وهى السلطة التى ثار عليها المصريون.
وليس مقبولا أن يتم الصمت والانتظار على مخالفات وأعمال بطش من عدد من أمناء الشرطة سواء بالضرب والاعتداء والقتل والتحرش أو بالرشوة، بما يسيئ لوزارة الداخلية ولمنظومة الأمن التى عادت بفضل دعم وتعاون الشعب وتجسير الثقة المفقودة بين الداخلية والناس، وعلى ما يبدو- وهذا رأيى الشخصى- أن عملية الردع والمحاسبة والمعاقبة التى تعلن عنها وزارة الداخلية والوزير نفسه لا ترهب أمناء الشرطة، بدليل تكرار الاعتداءات والمخالفات. ومن الواضح أن أمناء الشرطة الذين فرضوا كلمتهم على الدولة بعد ثورة يناير وكسروا هيبة الدولة عادت إليهم مشاعر الإحساس بالقوة والعظمة والانتقام من المواطنين.
فهم أول من قطف ثمار الثورة وتذوقوها، فقد عاد نحو 12 ألف أمين شرطة مفصول بعد محاكمات عسكرية بتهم مختلفة إلى العمل مرة أخرى، بعد محاصرتهم مقر وزارة الداخلية، حتى أصدر وزير الداخلية وقتها اللواء محمود وجدى قرارا بعودتهم.
وتحت الضغوط والاعتصامات داخل أقسام الشرطة، واقتحام بعض المديريات فى عدد كبير من محافظات الجمهورية، استجاب المجلس العسكرى للكثير من المطالبات، وحصلوا على ما لم يحلموا به فى حياتهم العملية، من الترقى إلى درجة ضابط، وإلغاء المحاكمات العسكرية، وزيادة فى الرواتب، والعلاج، والتأمين الصحى، ويبدو أن هذه المكاسب لم تؤثر فى أمناء الشرطة لتغيير الصورة السيئة والمقيتة عنهم لدى المواطنين.. وما نشاهده منذ عودتهم يؤكد أن البعض أو الكثير منهم لا نية لديهم للتغيير الإيجابى، وأن المكاسب التى حصلوا عليها ستجعلهم قوة فى وجه الوزير أو من فوق الوزير.
والمجهودات والتضحيات التى تقوم بها وتقدمها الشرطة المصرية ستتوارى أمام أى تصرف أحمق، أو اعتداء، أو بطش من أمين شرطة ضد مواطن بسيط أو فئة من فئات المجتمع، يحتاج إلى علاج نفسى أو فى حاجة إلى ردع وعقاب قوى.
الوضع لا يحتمل- وهذه رسالة لوزير الداخلية- ولا يمكن أن يترك الأمر لحفنة غير سوية من أمناء الشرطة تفعل ما تشاء فى الشارع المصرى، مثلما كان الحال قبل 25 يناير 2011، دون أن يكون هناك تدخل رادع وقرارات حاسمة حتى لا نفقد ما حققناه فى عودة الثقة من جديد بين الشرطة والشعب، وحتى لا تضيع التضحيات والمجهودات أمام فعل طائش أو سلوك مريض من أمين شرطة. حتى لو استدعى ذلك إعادة العمل بقانون المحاكمات العسكرية لمخالفات أفراد الأمن حتى لا يعود زمن حاتم من جديد..!